الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } * { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ } * { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } * { أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ } * { إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ } * { أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } * { سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ } * { أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ }

قوله: { إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } ، أي: جناتٌ ليس فيها إلا النعيمُ الخالصُ لا يشوبه ما ينغصُه كما يشوب جناتِ الدنيا.

قال مقاتل: لما نزلت هذه الآية، قال كفَّارُ مكة للمسلمين: إن الله تعالى فضَّلنا عليكم في الدنيا فلا بد وأن يُفضِّلنا عليكم في الآخرة، فإن لم يحصل التفضيلُ، فلا أقل من المساواةِ. فأجاب الله عن هذا الكلام بقوله: { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ } ، أي: إن التسوية بين المُطيع والعاصي غيرُ جائزة ثم وبَّخهُمْ فقال: { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } هذا الحكم الأعوج كأن أمر الجزاءِ مفوضٌ إليكم حتى تحكموا فيه.

قوله: " عِندَ ربِّهِمْ ". يجوز أن يكون منصوباً بالاستقرار، وأن يكون حالاً من " جنَّاتِ ".

فصل في رد كلام القاضي

قال القاضي: في الآية دليل واضح على أن وصف الإنسان بأنه مسلم ومجرم كالمتنافي، والفاسق لما كان مجرماً، وجب أن لا يكون مسلماً.

وأجيب بأنه تعالى أنكر جعل المسلم مثلاً للمجرم، ولا شك أنه ليس المراد إنكار المماثلة في جميع الأمور، فإنهما متماثلان في الجوهرية، والجسمية، والحدوث، والحيوانية، وغيرها من الأمور الكثيرة، بل المراد: إنكارُ استوائهما في الإسلام والجرم، أو في آثارِ هذين الأمرينِ، فالمراد: أن يكون إنكار أثر الإسلام مساوياً لأثر جرم المجرم عند الله، وهذا لا نزاع فيه، فمن أين يدل على أن الشخص الواحد يمتنع فيه كونه مسلماً ومجرماً؟.

فصل في رد كلام الجبائي

قال الجبائيُّ: دلت الآية على أن المجرم لا يكون ألبتةَ في الجنةِ؛ لأنه تعالى أنكر حصول التسوية بينهما في الثواب، بل لعله يكون ثواب المجرم أزيد من ثواب المسلم، إذا كان المجرمُ أطول عمراً من المسلم، وكانت طاعته غير محبطةٍ. والجوابُ: هذا ضعيفٌ، لأنا بينا التسوية في درجة الثوابِ، ولعلهما لا يستويان فيه بل يكون ثواب المسلمِ الذي لم يعص أكثر من ثواب من عصى، على أنا نقول: لم لا يجوز أن يكون المراد من المجرمين هم الكفار الذين حكى الله عنهم هذه الواقعة، لأن حمل الجمع المحلى بالألف واللام على المعهود السابق مشهور في اللغة والعرفِ.

قوله: { أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ }. أي: ألكم كتاب تجدون فيه المطيع كالعاصِي. وهذا كقولهأَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ } [الصافات: 156 - 157].

قوله: { إِنَّ لَكُمْ فِيهِ }.

العامة على كسر الهمزة، وفيها ثلاثة أوجه:

أحدها: أنها معمولة لـ " تَدْرُسُونَ " ، أي: تدرسون في الكتاب أن لكم ما تحتاجونه، فلما دخلت اللامُ كسرت الهمزة، كقولك: علمت أنك عاقل - بالفتح - وعلمت إنك لعاقل - بالكسر -.

والثاني: أن تكون على الحكايةِ للمدروسِ كما هو، كقوله:وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ }

السابقالتالي
2 3