الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } * { وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } * { فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ } * { فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ } * { فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ } * { أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ } * { فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ } * { أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ } * { وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ } * { فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوۤاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ } * { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } * { قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ } * { قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } * { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ } * { قَالُواْ يٰوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ } * { عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ } * { كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

قوله { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ }. يريد أهل مكة، والابتلاء: الاختبار. والمعنى: أعطيناهم الأموال ليشكروا لا ليبطروا، فلما بطروا وعادوا محمداً صلى الله عليه وسلم ابتليناهم بالجوع والقحط كما بلونا أصحاب الجنَّة المعروف خبرها عندهم، وذلك أنها كانت بأرض اليمن بالقرب منهم على فراسخ من " صنعاء " ، ويقال: بفرسخين، كانت لرجل يؤدي حقَّ الله منهما، فلما مات صارت إلى ولده، فمعنوا الناس خيرها، وبخلوا بحق الله فيها؛ فأهلكها الله من حيث لم يمكنهم دفع ما حل بها.

قال الكلبيُّ: كان بينهم وبين " صنعاء " فرسخان ابتلاهم اللَّهُ بأن أحرق جنتهم.

وقيل: جنة بصوران على فراسخ من صنعاء، وكان أصحاب هذه الجنة بعد رفع عيسى - عليه الصلاة والسلام - بيسير.

وقيل: كانوا من بني إسرائيل.

وقيل: وكانوا من ثقيف، وكانوا بخلاء، وكانوا يجذون النخل ليلاً من أجل المساكين، فأرادوا حصاد زرعها، وقالوا: { لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ } فغدوا عليها فإذا هي قد اقتلعت من أصلها { فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ } أي: الليل، ويقال أيضاً للنهار: صريم، فإن كان أراد الليل، فلاسوداد مواضعها وكأنهم وجدوا مواضعها حمأة، وإن كان أراد بالصريم النهار، فلذهاب الشجر والزَّرْع وخلو الأرض منه، وكان الطائف الذي طاف عليها جبريل - عليه السلام - فاقتلعها.

فقيل: إنه طاف بها حول البيت ثم وضعها حيثُ مدينة الطائف اليوم، ولذلك سميت الطائف، وليس في أرض الحجازِ بلدة فيها الماء، والشجر [والزرع] والأعناب غيرها.

وقال البكريُّ في المعجم: سميت الطائف، لأن رجلاً من العرب يقالُ له: الدَّمُون، بَنَى حائطاً، وقال: إني قد بنيت لكم حائطاً حول بلدكم، فسميت الطائف. والله أعلم.

قوله " إذ أقْسَمُوا " ، أي: حلفوا فيما بينهم " ليَصْرِمُنَّهَا " أي: ليجذُّنها " مُصْبحِيْنَ " أي: وقت الصباح قبل أن يخرج المساكين " ولا يَسْتَثْنُونَ " ، أي: لم يقولوا: إن شاء الله.

قوله: " مُصْبحِيْنَ " حال من فاعل " ليَصْرمُنَّها " وهو من " أصبح " التامة، أي داخلين في الصباح، كقوله تعالى:وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ } [الصافات: 137] وقوله: إذا سمعت بِسُرَى القين فاعلم بأنه مصبح والكاف في " كما " في موضع نصب نعتاً لمصدر محذوف، أي: بلوناهم ابتلاء كما بلونا، و " ما " مصدرية، أو بمعنى " الذي " و " إذَا " منصوبة بـ " بَلَوْنَا " و " ليَصْرمُنَّهَا " جواب للقسم، وجاء على خلاف منطوقهم، ولو جاء لقيل: " لنَصْرمُنَّهَا " بنون المتكلم.

قوله: { وَلاَ يَسْتَثْنُونَ }.

هذه مستأنفة، ويضعف كونها حالاً من حيث إن المضارع المنفي بـ " لا " كالمثبت في عدم دخول الواو عليه وإضمار مبتدأ قبله، كقولهم: " قمت وأصك عينه " مستغنى عنه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6