الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَـٰفَّـٰتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ } * { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مِّن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنِ ٱلْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ } * { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ } * { أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { قُلْ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } * { قُلْ هُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }

قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ }.

لما ذكر ما تقدم من الوعيد ذكر البرهان على كمال قدرته، وعلى إيصال جميع أنواع العذاب إليهم، ومعناه كما ذلل الأرض للآدمي ذلل الهواء للطيور، وصافاتٍ: أي: باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانهن.

قال شهاب الدين: " صافَّاتٍ " يجوز أن يكون حالاً من " الطَّير " ، وأن يكون حالاً من " فَوقَهُمْ " إذا جعلناه حالاً، فتكون متداخلة، و " فَوقَهُمْ " ظرف لـ " صافَّاتٍ " أو لـ " يَرَوا ".

قوله: " ويَقْبِضْنَ " عطف الفعل على الاسم؛ لأنه بمعناه، أي: وقابضات، فالفعل هنا مؤول بالاسم عكس قوله:إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ } [الحديد: 18] فإن الاسم هناك مؤول بالفعل وقد تقدم الاعتراض على ذلك.

وقول أبي البقاء: معطوف على اسم الفاعل حملاً على المعنى، أي: يصففن ويقبضن، أي " صافَّاتٍ وقَابضاتٍ " لا حاجة إلى تقديره: يصففن ويقبضن؛ لأن الموضع للاسم فلا نؤوله بالفعل.

قال أبو حيان: " وعطف الفعل على الاسم لما كان في معناه، ومثله قوله تعالى:فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ } [العاديات: 3 - 4]، ومثل هذا العطف فصيحٌ وكذا عكسه إلاَّ عند السُّهيلي؛ فإنه قبيح؛ نحو قوله: [الرجز]
4802 - بَاتَ يُغشِّيهَا بعَضْبٍ بَاتِر   يَقْصِدُ فِي أسْوُقِهَا وجَائرِ
أي: قاصد في أسواقها وجائر ".

وكذا قال القرطبيُّ: هو معطوف على " صافَّاتٍ " عطف المضارع على اسم الفاعل كما عطف اسم الفاعل على المضارع في قول الشاعر: " بَاتَ يُغشِّيها " البيت.

قال شهاب الدين: هو مثله في عطف الفعل على اسم الفاعل إلا أن الاسم فيه مؤولٌ بالفعل عكس هذه الآية، ومفعول " يقبِضنَ " محذوف، أي: ويقبضن أجنحتهن.

قاله أبو البقاء، ولم يقدر لـ " صَافَّاتٍ " مفعولاً كأنه زعم أن الاصطفاف في أنفسها، والظاهر أن المعنى: صافات أجنحتها وقابضات، فالصف والقبض منها لأجنحتها.

ولذلك قال الزمخشري: " صافَّاتٍ " باسطات أجنحتهن، ثم قال: فإن قلت: لم قال: ويقبضن، ولم يقل: " قابضات "؟.

قلت: لأن الطيران هو صف الأجنحة؛ لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء، والأصل في السباحة مد الأطراف وبسطها، وأما القبض فطارىء على البسط للاستظهار به على التحرك، فجيء بما هو طارىء غير أصل بلفظ الفعل على معنى أنهن صافات، يكون منهن القبض تارة بعد تارة كما يكون من السابح.

قوله " مَا يُمسِكُهُنَّ ". يجوز أن تكون هذه الجملة مستأنفة، وأن تكون حالاً من الضمير في " يَقْبِضنَ " قاله أبو البقاء. والأول أظهر.

وقرأ الزهريُّ: بتشديد السِّين.

فصل في معنى: يقبضن

قوله: " ويَقْبِضْنَ ".

السابقالتالي
2 3 4