الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ } * { ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ } * { ثُمَّ ٱرجِعِ ٱلبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ ٱلبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ }

قوله تعالى: { تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ }.

" تبارك " تفاعل من البركة وقد تقدم.

وقال الحسنُ: تقدّس.

وقيل: دام، فهو الدائم الذي لا أول لوجوده، ولا آخر لدوامه { ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ } أي: ملكُ السموات والأرض في الدنيا والآخرة.

وقال ابن عبَّاس: { بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ }: يعزّ من يشاء، ويذل من يشاء، ويُحيي ويميت، ويغني ويفقر، ويعطي ويمنع.

قال ابن الخطيب: هذه اللفظة تستعمل لتأكيد كونه - تعالى - ملكاً ومالكاً كما يقال: بيد فلان الأمر، والنهي، والحل والعقد، ولا مدخل للجارحة.

قال الزمخشريُّ: { بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ } كل موجود، وهو على كل ما لم يوجد قدير:

قوله: { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }. يدل على أن المعدوم شيء؛ لأن قدرة الله لا تتعلق بالموجود؛ لأن القدرة مؤثرة، والعدم نفي محض، فلا يكون أثراً لها، فوجب أن يكون المعدوم شيئاً.

فصل في أنه لا مؤثر إلا قدرة الله

احتج أهل السنة بهذه الآية على أنه لا مؤثر إلا قدرة الله، وأبطلوا القول بالطَّبائع كقول الفلاسفة، وأبطلوا القول بالمتولدات كقول المعتزلة، وأبطلوا القول بكون العبد موجوداً لأفعالٍ نفسيةٍ، لقوله: { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.

فصل في وحدانية الله

دلّت هذه الآية على الوحدانية؛ لأنا لو قدرنا إلهاً ثانياً، فإما أن يقدر على إيجاد الشيء أولاً، فإن لم يقدر على إيجاد شيء لم يكن إلهاً، وإن قدر كان مقدور ذلك الإله الثاني شيئاً، فيلزم كون ذلك للإله الأول لقوله { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فيلزم وقوع مخلوق من خالقين، وهو محال؛ لأنه إذا كان كل واحد منهما مستقلاً بالإيجاد، ويلزم أن يستغنى بكلّ واحد منهما عن كل واحد منهما، فيكون محتاجاً إليهما وغنياً عنهما وذلك محال.

فصل في الرد على جهم

احتج جهم بهذه الآية على أنه تعالى ليس بشيء، فقال: لوكان شيئاً لكان قادراً على نفسه لقوله تعالى: { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } لكن كونه قادراً على نفسه محال، فيمتنع كونه شيئاً.

والجواب: لما دلّ قوله تعالى:قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ ٱللَّهُ } [الأنعام: 109] على أنه - تعالى - شيء وجب تخصيص هذا العموم، فإذن دلّت هذه الآيةُ على أنَّ العامَّ المخصوص واردٌ في كتاب الله تعالى، ودلت على أن تخصيص العام بدليل العقل جائز، بل واقع.

قوله: { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ }.

قيل: خَلَق الموت في الدنيا، والحياة في الآخرة، وقدم الموت على الحياة، لأن الموت إلى القهر أقرب، كما قدم البنات على البنين فقال:يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً } [الشورى: 49].

وقيل: قدمه؛ لأنه أقدم، لأن الأشياء في الابتداء كانت في حكم الموت كالنُّطف والتراب ونحوه.

وقال قتادة:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7