الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَـٰذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْخَبِيرُ } * { إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } * { عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً }

قوله: { وَإِذَ أَسَرَّ }.

العامل فيه " اذكر " فهو مفعول به لا ظرف.

والمعنى: اذكر إذ أسر النبي إلى بعض أزواجه، يعني حفصة " حَدِيثاً " يعني تحريم مارية على نفسه واستكتامه إياها ذلك.

وقال الكلبيُّ: أسرَّ إليها أن أباك عائشة يكونان [خليفتين] من بعدي على أمَّتي.

وقال ابن عباس: أسرّ أمر الخلافة بعده إلى حفصة، فذكرته حفصة.

روى الدارقطني في سننه عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، في قوله تعالى: { وَإِذْ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً } ، قال: " اطلعت حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم مع أم إبراهيم، فقال: " لا تُخبري عائِشَة " ، قال: فانطلقت حفصة فأخبرت عائشة فأظهره اللَّهُ عليه، " فَعرَّف بعضهُ، وأعْرَضَ عن بَعْضٍ " ، قال: أعرض عن قولها: " إن أباك وأباها يكُونانِ خَليفَتيْنِ مِنْ بَعْدِي " " كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينشر ذلك بين الناس.

{ فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ } أخبرت عائشة لمصافاة كانت بينهما، وكانتا متظاهرتين على زوجات النبي صلى الله عليه وسلم { وَأَظْهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } أي: أطلعه الله على أنها قد نبأت به.

قوله: { فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ }.

أصل " نَبَّأ وأنْبَأ، وأخبر وخبّر، وحدّث " أن يتعدى لاثنين [إلى] الأول بنفسها، وإلى الثاني بحرف الجر، وقد يحذف الجار تخفيفاً، وقد يحذف الأول للدلالة عليه، وقد جاءت الاستعمالات الثلاثة في هذه الآية فقوله: { فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ } تعدى لاثنين، حذف أولهما، والثاني مجرور بالباء، أي: " نَبَّأتْ بِهِ غيْرهَا " ، وقوله: { فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ } ذكرهما، وقوله: { مَنْ أَنبَأَكَ هَـٰذَا } ذكرهما، وحذف الجار.

وقرأ طلحة بن مصرف: " فلمَّا أنْبَأت " ، وهما لغتان " نَبَّأ وأنْبَأ ".

قوله: { عَرَّفَ بَعْضَهُ }.

قرأ الكسائي: بتخفيف الراء.

قال القرطبي: " وبها قرأ علي، وطلحة بن مصرف، وأبو عبد الرحمن السلمي وقتادة والكلبي والأعمش عن أبي بكر ".

قال عطاء: كان أبو عبد الرحم السلمي إذا قرأ عليه الرجل " عَرَّفَ " مشددة حصبه بالحجارة.

وقرأ الباقون: بتشديد الراء.

فالتثقيل يكون المفعول الأول معه محذوفاً، أي " عرَّفَهَا بَعْضَه " ، أي: وقفها عليه على سبيل العَتْب.

{ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ } ، تكرماً منه وحلماً، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم يدل عليه قوله تعالى: { وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ } ، أي: لم يعرفها إياه، ولو كانت مخففة لقال في ضده: وأنكر بعضاً.

وأما التخفيف: فمعناه جازى على بعضه، وأعرض عن بعض.

قال الفرَّاءُ: وتأويل قوله - عز وجل -: " عَرَفَ " بالتخفيف، أي: غضب فيه، وجازى عليه، كقولك لمن أساء إليك: " لأعرِفنَّ لك ما فعلت " أي: لأجَازِينَّك عليه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7