الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } * { ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } * { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } * { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ }

قوله تعالى: { إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ }.

" إذا ": شرط، قيل: جوابه " قالوا ".

وقيل: محذوف، و " قالوا ": حال أي إذا جاءوك قائلين كيت وكيت فلا تقبل منهم.

وقيل: الجواب { ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً } ، وهو بعيد، و " قالُوا " أيضاً: حال.

فصل في تعلق هذه السورة بالتي قبلها

قال ابنُ الخطيب: وجه تعلق هذه السورة بما قبلها هو أن تلك السورة مشتملةٌ على ذكر بعثة الرسول، وذكر من كان يُكذِّبهُ قلباً ولساناً فضرب لهم المثل بقوله:مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } [الجمعة: 5].

وهذه السورة مشتملةٌ على ذكر من كان يكذِّبُ قلباً دون اللسان، ويصدقه لساناً دون القلب.

وأما تعلق الأول بالآخر، فلأن في آخر تلك السُّورة تنبيه للمؤمنين على تعظيم الرسول - عليه الصلاة والسلام - ورعايةِ حقِّه بعد النداء لصلاةِ الجمعةِ، وتقديم متابعته على غيره، فإنَّ ترك التعظيم والمتابعةِ من شيمِ المنافقين، والمنافقون هم الكاذبون.

فصل في نزول السورة.

روى البخاري عن زيد ابن أرقم، قال: " كنت مع عمي فسمعتُ عبد الله بن أبيِّ ابْنَ سلول يقول: { لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ } ، وقال: { لَئِن رَجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } ، فذكرتُ ذلك لعمي، فذكر عمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، فصدَّقهُمْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وكذَّبني فأصابَنِي همٌّ لمْ يُصبني مثلُه، فجلست في بيتي، فأنزل اللَّهُ - عزَّ وجلَّ -: { إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ } إلى قوله: { هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ } ، وقوله: { لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } ، فأرسل إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال " إنَّ اللَّهَ قدْ صدقَكَ ".

وروى الترمذي عن زيد بن أرقم، قال: " غَزوْنَا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان معنا أناسٌ من الأعراب، فكُنَّا نبدر الماء، أي: نقسمه، وكان الأعرابُ يسبقُوننا إلى الماء، فيسبق الأعرابي أصحابه، فيملأ الحوض، ويجعلُ حوله حجارة، ويجعلُ النِّطع عليه حتى يجيء أصحابه، قال: فأتى رجلٌ من الأنصار أعرابيًّا فأرخى زِمامَ ناقته لتِشرب، فأبَى أن يدعهُ، فانتزع حجراً ففاض الماءُ، فرفع الأعرابيُّ خشبة، فضرب بها رأس الأنصاريِّ فشجَّهُ، فأتى عبد الله بن أبي رأس المنافقين فأخبره - وكان من أصحابه - فغضب عبد الله بن أبي، ثم قال:لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ } [المنافقون: 7] من حوله، يعني: الأعراب، وكانوا يحضرون رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الطعام، فقال عبد الله: فإذا انفضوا من عند محمد فأتوا محمداً بالطعام فليأكل هو ومن عنده، ثم قال لأصحابه: { لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9