قوله: { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ }. أي: من دون محمَّد وأصحابه. لما ادعت اليهود الفضيلة، وقالوا:{ نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [المائدة: 18]، قال الله تعالى: { إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ } فللأولياء عند الله الكرامة { فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ } لتصيروا إلى ما يصير إليه أولياء الله. قوله: { أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ }. سادّ مسد المفعولين أو المفعول على الخلاف، و " لله " متعلق بـ " أولياء " أو بمحذوف نعتاً لـ " أولياء " ، و { من دون الناس } كذلك. قوله: { فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ }. جواب الشَّرط. والعامة: بضم الواو وهو في الأصل واو الضمير. وابن السميفع وابن يعمر وابن إسحاق: بكسرها، وهو أصل التقاء السَّاكنين. وابن السميفع أيضاً: بفتحها وهذا طلب للتخفيف. وتقدم نحوه في:{ ٱشْتَرُواْ ٱلضَّلاَلَةَ } [البقرة: 16]. وحكى الكسائي إبدال الواو همزة. قوله: { وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ } ، وقال في البقرة:{ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ } [البقرة: 95]. قال الزمخشري: لا فرق بين " لا " و " لن " في أنَّ كل واحد منهما نفي للمستقبل إلا أن في " لن " تأكيداً وتشديداً ليس في " لا " فأتي مرة بلفظ التأكيد " ولن يتمنوه " ومرة بغير لفظه " ولا يتمنونه ". قال أبو حيان: " وهذا رجوع عن مذهبه وهو أن " لن " تقتضي النفي على التأبيد إلى مذهب الجماعة وهو أنها لا تقتضيه ". قال شهاب الدين: وليس فيه رجوع، غاية ما فيه أنه سكت عنه، وتشريكه بين " لا " و " لن " في نفي المستقبل لا ينفي اختصاص " لن " بمعنى آخر. وتقدم الكلام على هذا مشبعاً في " البقرة ". فصل المعنى: " ولا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم " أي: أسلفوه من تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم فلو تمنوه لماتوا، فكان ذلك بطلان قولهم وما ادعوه من الولاية. " قال عليه الصلاة والسلام لما نزلت هذه الآية: " والذي نفسي بيده لو تمنوا الموت ما بقي على ظهرها يهودي إلا مات " ". وفي هذا إخبار عن الغيب ومعجزة للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وقد مضى الكلام على هذه الآية في " البقرة " عند قوله:{ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ } [البقرة: 94].