الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } * { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ }

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ }.

روى الدَّارميُّ في مسنده قال: أنْبَأنَا مُحمَّدُ بنُ كثيرٍ عَنِ الأوزاعيِّ عنْ يَحْيى بْنِ أبِي كثيرٍ عن أبِي سلمةَ عن عبْدِ اللَّهِ بن سلام، قال: قَعَدنَا مع نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فتذاكرنا فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملنا؟ فأنزل الله - تعالى -: { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } حتى ختمها، قال عبد الله: قرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها، قال أبو سلمة: فقرأها علينا عبد الله بن سلام حتى ختمها، قال يحيى: فقرأها علينا أبو سلمة، فقرأها علينا يحيى، فقرأها علينا الأوزاعي، فقرأها علينا محمد، فقرأها علينا الدارمي.

وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: قال عبد الله بن رواحة: لو علمنا أحب الأعمال إلى الله لعملناه، [فلما نزل الجهاد كرهوه].

[وقال الكلبي: قال المؤمنون: يا رسول الله لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لسارعنا إليها]، فنزلت:هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [الصف: 10]، فمكثوا زماناً يقولون: لو نعلمها لاشتريناها بالأموال والأنفس والأهلين؟ فدلَّهم الله عليها بقوله:تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ } [الصف: 11] الآية، فابتلوا يوم أحد، ففروا، فنزلت هذه الآية تعبيراً لهم بترك الوفاء.

وقال محمَّدُ بنُ كعبٍ: لما أخبر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم بثواب شهداء " بدر " ، قالت الصحابة رضي الله عنهم اللهم اشهد لئن لقينا قتالاً لنفرغنّ فيه وسعنا ففروا يوم أحد، فعيرهم الله بذلك.

وقال قتادة والضحاك: نزلت في قوم كانوا يقولون: نحن جاهدنا وابتلينا، ولم يفعلوا.

وقال صهيب: كان رجل قد آذى المسلمين يوم بدر، وأنكاهم، فقتله، فقال رجل: يا نبي الله، إني قتلت فلاناً ففرح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال عمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف: يا صُهيبُ، أما أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنك قتلت فلاناً، فإن فلاناً انتحل قتله، فأخبره، فقال: أكذلك يا أبا يحيى؟ قال: نعم، والله يا رسول الله، فنزلت الآية في المنتحل.

وقال ابن زيد: نزلت في المنافقين، كانوا يقولون " للنبي " صلى الله عليه وسلم وأصحابه: إن خرجتم وقاتلتم خرجنا معكم، وقاتلنا، فلما خرجوا نكثوا عنهم وتخلفوا.

فصل

قال القرطبي: " هذه الآية توجب على كل من ألزم نفسه عملاً فيه طاعة أن يفي بها ".

وفي صحيح مسلم عن أبي موسى: أنه بعث قراء إلى أهل " البصرة " ، فدخل عليه ثلاثمائة رجل، قد قرأوا القرآن، فقال أنتم خيار أهل " البصرة " وقراؤهم، فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمدُ، فتقسوا قلوبكم، كما قست قلوب من قبلكم، وإنا كنا نقرأ سورة تشبهها في الطول والشدة بـ " براءة " ، فأنسيتها غير أني قد حفظت منها " لَوْ كَان لابْنِ آدَمَ وادِيَانِ مِنْ مالٍ لابْتَغَى وَادِياً ثَالثاً، ولا يَمْلأُ جَوْفَ ابنِ آدمَ إلاَّ التُّرابُ " ، وكُنَّا نقرأُ سُورة تُشبههَا بإحْدَى المُسَبِّحاتِ، فأنْسيتُهَا غير أنِّي قد حفظت منها: " يا أيُّها الذين آمنوا لِمَ تقُولُون ما لا تفعَلُونَ، فتُكْتب شهادة في أعناقكم، فتسألون عنها يوم القيامة ".

السابقالتالي
2 3 4