الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } * { تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن ٱللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } الآية.

قال مقاتلٌ: " نزلت في عثمان بن مظعون، قال: يا رسول الله، لو أذنت لي فطلقت خولة، وترهبت واختصيت، وحرمت اللحم، ولا أنام بليل أبداً، ولا أفطر بنهار أبداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنَّ من سُنَّتِي النَّكاحَ فلا رهْبانِيَةَ في الإسْلامِ وإنَّما رَهْبانِيةُ أمَّتِي الجهادُ في سبيلِ اللَّهِ، وخصاء أمَّتِي الصَّومُ، فلا تُحرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لكُم، ومِنْ سُنَّتِي أنَامُ وأقُومُ وأفْطِرُ وأصُومُ، فمنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فليْسَ منِّي " ، فقال عثمان: لوددت يا نبي الله، أي التجارات أحب إلى الله فأتجر فيها " ، فنزلت.

وقيل: " أدُلُّكُمْ " أي: سأدلكم، والتجارة: الجهاد، قال الله تعالى:إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ } [التوبة: 111]: الآية، وهذا خطاب لجميع المؤمنين.

وقيل: لأهل الكتاب.

وقيل: نزل هذا حين قالوا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملنا.

قال البغويُّ: وجعل ذلك بمنزلة التجارة؛ لأنهم يرجون بها رضا الله عز وجل، ونيل جنته والنجاة من النار.

والتجارة عبارة عن معاوضة الشيء بالشيء، كما أن التجارة تنجي التاجر من الفقر فكذا هذه التجارة، وكما أن في التجارة الربح والخسران، فكذلك هذه التجارة، فمن آمن وعمل صالحاً، فله الأجر الوافر، ومن أعرض عن الإيمان والعمل الصالح، فله الخسران المبين.

قوله: { تُنجِيكُم }. هذه الجملة صفة لـ " تجارة ".

وقرأ ابن عامر: { تُنجّيكُم مِن عَذَابٍ أَلِيمٍ } بالتشديد.

والباقون: بالتخفيف، من " أنْجَى " ، وهما بمعنى واحد؛ لأن التضعيف والهمزة متعديان.

والمعنى: يخلصكم من عذاب أليم، أي مؤلم.

قوله: { تُؤْمِنُونَ }.

لا محلّ له لأنه تفسير لـ " تجارة ".

ويجوز أن يكون محلها الرفع خبراً لمبتدأ مضمر، أي تلك التجارة تؤمنون، والخبر نفس المبتدأ، فلا حاجة إلى رابط.

وأن تكون منصوبة المحل بإضمار فعل، أي " أعني تؤمنون " ، وجاز ذلك على تقدير " أن " وفيه تعسف.

والعامة على: " تؤمنون " خبراً لفظياً ثابت النون.

وعبد الله: " آمنُوا، وجاهدُوا " أمرين.

وزيد بن علي: " تؤمنوا، وتجاهدوا " بحذف نون الرفع.

فأما قراءة العامة، فالخبر بمعنى الأمر، يدل عليه القراءتان الشاذتان فإن قراءة زيد: على حذف لام الأمر، أي: " لتؤمنوا، ولتجاهدوا ".

كقوله: [الوافر]
4765 - مُحَمَّدُ تَفْدِ نفسكَ كُلُّ نَفْسٍ   ..................................
وقوله تعالى:قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } [إبراهيم: 31] في وجه، أي: لتَفْدِ ولتقيموا، ولذلك جزم الفعل في محل جوابه في قوله: " يتقي ".

وكذلك قولهم: " اتقى الله امرؤ فعل خيراً يثب عليه " ، تقديره: ليتق الله.

السابقالتالي
2 3 4