الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ }

هذا نَوْعٌ آخر من دلائل وجود الصَّانع وعلمه وقدرته وحكمته، فالنوع الأوَّل من دلالة النبات والحيوان، والنوع الثاني من أنواع الفلك.

وقوله: { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ } نعت لاسم الله - تعالى -، وهو كقوله: " فالق الحبِّ " فيما تقدَّم. والجمهور على كَسْرِ همزة " الإصباح " وهو المصدر: أصبح يصبح إصباحاً.

وقال الليث والزجاج: إن الصبح والصباح والإصباح واحد، وهما أول النهار وكذا الفراء.

وقيل: الإصباح: ضوء الشمس بالنهار، وضوء القمر بالليل. رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.

وقيل هو إضاءة الفجر نُقِلَ ذلك عن مُجَاهد، والظَّاهر أن " الإصباح " في الأصل مصدر كالإقبال والإدبار سُمِّيَ به الصباح، وكذا الإمساء وقال امرؤ القيس: [الطويل]
2258- ألاَ أيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ ألا انْجَلِ   بِصُبْحٍ وَمَا الإصْبَاحُ مِنْكَ بأمْثَلِ
وقرأ الحسن وأبو رجاء وعيسى بن عمر: " الأصباح " بفتح الهمزة، وهو جمع " صُبْح " نحو: قُفْل وأقْفَال، وبرد وأبراد، وينشد قوله: [الرجز]
2259- أفْنَى رِيَاحاً وَبَنِي رِيَاح   تَنَاسُخُ الأمْسَاءِ والأصْبَاحِ
بفتح الهمزة من " الأمساء " و " الأصباح " على أنهما جمع " مُسْي " و " صُبْح " ، وبكسرهما على أنهما مَصْدَرَان، وقرئ " فالق الأصباح " بفتح " الأصْبَاح " على حذف التنوين لالتقاء الساكنين كقول القائل في ذلك: [المتقارب]
2260-...................   وَلاَ ذَاكِرَ اللَّهَ إلاَّ قَلِيلاَ
وقرئوَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلاَةِ } [الحج: 35] ولَذَآئِقُواْ ٱلْعَذَابِ } [الصافات:38] بالنصب حَمْلاً للنون على التنوين، إلا أن سيبويه - رحمه الله تعالى - لا يُجِيزُ حَذْفَ التنوين لالتقاء الساكنين إلا في شعر، وقد أجازه المُبرِّدُ في الشعر.

وقرأ يحيى والنخعي وأبو حيوة: " فلق " فعلاً ماضياً، وقد تقدَّم أن عبد الله قرأ الأولى كذلك، وهذا أدَلُّ على أن القراءة عندهم سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ ألا ترى أن عبد الله كيف قرأ " فلق الحب " فعلاً ماضياً، وقرأ " فالق الإصباح " والثلاثة المذكورين بعكسه.

قال الزمخشري: فإن قلت: فما معنى " فلق الصبح " ، والظلمة هي التي تنفلق عن الصُّبح، كما قال: [الطويل]
2261-..................   تَفَرِّيَ لَيْلٍ عَنْ بَيَاضِ نهارِ
قلت: فيه وجهان:

أحدهما: أن يُرَادَ: فالق ظلمة الإصباح، يعني أنه على حذف مضاف.

والثاني: أنه يُرَاد: فالق الإصباح الذي هو عمود الفَجْرِ عن بياض النهار وإسْفَارِهِ، وقالوا: انشق عمود الفجر وانصدع، وسمّوا الفجر فلقاً بمعنى مَفْلُوق؛ قال الطائي: [البسيط]
2262- وَأزْرَقُ الفَجْرِ يَبْدُوا قَبْلَ أبْيَضِهِ   ....................
وقرئ: " فالق " و " جاعل " بالنصب على المَدْحِ انتهى.

وأنشده غيره في ذلك: [البسيط]
2263- فانْشَقَّ عَنْهَا عَمُودُ الفَجْرِ جَافِلَةً   عَدْوَ النَّحُوصِ تَخَافُ القَانِصَ اللَّحِمَا
قال الليث: الصبح والصباح هما أوَّلُ النهار، وهو الإصباح أيضاً، قال تبارك وتعالى: " فالق الإصباح " يعني الصبح.

السابقالتالي
2 3 4