الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }

" فُرَادَى " منصوب على الحال من فاعل " جِئْتُمُونَا " ، و " جئتمُونَا " فيه وجهان:

أحدهما: أنه بمعنى المستقبل، أي: تجيئوننا، وإنما أبرزه في صورة الماضي لِتَحَقُّقِهِ كقوله تعالى:أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } [النحل:1]وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } [الأعراف:44].

والثاني: أنه ماضٍ، والمراد به حكاية الحال بين يدي الله - تعالى - يوم يُقال لهم ذلك، فذلك اليوم يكون مجيئهم ماضياً بالنسبة إلى ذلك اليَوْمِ.

واختلفوا في قول هذا القَائِل، فقيل: هو قول الملائكة المُوَكَّلِينَ بعقابهم.

وقيل: هو قول الله تعالى، ومنشأ هذا الخلاف أن الله - تبارك وتعالى - هل يَتَكَلَّمُ مع الكُفَّارِ أم لا؟ فقوله تبارك وتعالى في صفة الكفار: " وَلاَيُكَلِّمُهُم " يوجب ألاَّ يتكلم معهم، فلهذا السبب وقع الاخْتِلافُ، والأول أقوى؛ لأن هذه الآية الكريمة معطوفة على ما قبلها، والعطف يوجب التَّشْرِيكَ.

واختلفوا في " فُرَادَى " هل هو جمع أم لا، والقائلون بأنه جَمْعٌ اختلفوا في مُفْرَدِهِ: فقال الفراء: " فُرَادى " جمع " فَرْد وفَرِيد وفَرَد وفَرْدَان " فجوز أن يكون جَمْعاً لهذه الأشياء.

وقال ابن قُتَيْبَةَ: هو جمع " فَرْدانَ " كسَكْرَانَ وسُكَارَى وعَجْلان وعُجالى.

وقال قوم: هو جمع فَرِيد كَرَدِيف ورُدَافى، وأسِير وأسَارى، قاله الراغب، وقال: هو جمع " فَرَد " بفتح الراء، وقيل بسكونها، وعلى هذا فألفها للتأنيث كألف " سُكَارى " و " أسارى " فيمن لم يتصرف.

وقيل: هو اسم جمع؛ لأن " فرد " لا يجمع على فُرَداى فرد أفراد، فإذا قلت: جاء القوم فُرَادى فمعناه واحداً واحداً.

قال الشاعر: [الطويل]
2239- تَرَى النُّعَراتِ الزُّرْقَ تَحْتَ لِبَانِهِ   فُرَادَى وَمَثْنَى أثْقَلَتْهَا صَوَاهِلُهْ
ويقال: فَرِدَ يَفْرُدُ فُرُوداً فهو فَارِدٌ، وأفردته أنا، ورجل أفْرَدُ، وامرأة فَرْدَاءُ كأحمر وحمراء، والجمع على هذا فُرْدٌ كحُمْر، ويقال في فُرَادى: " فَرَاد " على زِنَةِ " فعَال " ، فينصرف، وهي لغة " تميم " وبها قرأ عيسى بن عمر، وأبو حيوة: " وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فَرَاداً " وقال أبو البقاء: وقرئ بالشاذ بالتنوين على أنه اسم صحيح، فقال في الرفع فُرَادٌ مثل: " تُؤام ودخال وهو جمع قليل ". انتهى.

ويقال أيضاً " جاء القوم فُرَادَ غير منصرف، فهو كَأحاد ورُبَاع في كونه معدولاً صفة، وهو قرءاة شاذّة هنا.

وروى خارجة عن نافع، وأبي عمرو كليهما أنهما قرأ " فُرَادَى " مثل سُكَارَى " اعتباراً بتأنيث الجماعة، كقوله تبارك وتعالى:وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ } [الحج:2] فهذه أربع قراءات مشهورة، وثلاث في الشواذ فراد الرجال, فراداً كأحاد، فَرْدَى كَسَكْرَى.

قوله: " كَمَا خَلَقْناكُمْ " في هذه أوجه:

أحدها: أنها مَنْصُوبَةُ المحل على الحال من فاعل " جئتمونا " فمن أجاز تَعَدُّدَ الحال أجاز من غير تأويل، ومن منع ذلك جعل " الكاف " بدلاً من " فُرَادَى ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7