الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ }

{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ } أي: الكتب المُنَزَّلة عليهم، و " الحكم " يعني العلم والفِقْهَ، و " النبوة ". والإشارة بـ " أولئك " إلى الأنبياء الثمانية عشر المذكورين، ويحتمل أن يكون المراد بـ " آتيناهم الكتاب " أي: الفَهْمَ التَّامَّ لما في الكتاب، والإحاطة بحقائقه، وهذا هو الأولى؛ لأن الثمانية عشر لم ينزل على كل واحد منهم كتاباً إلهياً على التعيين.

قوله { فإنْ يَكْفُرْ بِهَا } هذه " الهاء " تعود على الثلاثة الأشياء، وهي: الكتاب والحكم والنبوة، وهو قول الزمخشري.

وقيل: يعود على " النبوة " فقط، لأنها أقرب مذكور، والباء في قوله: " لَيْسُوا بِهَا " مُتعَلِّقَةٌ بخبر " ليس " ، وقدم على عاملها، والباء في " بكافرين " زائدة توكيداً.

فصل في معنى الآية

معنى قوله: " يَكْفُرْ بِهَا هَؤلاءِ " يعني أهل " مَكة " { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِين }؛ قال ابن عباس: المراد بالقَوْمِ الأنْصَارُ، وأهل " المدينة " ، وهو قول مجاهد.

وقال قَتَادَةُ والحسن: يعني الأنبياء الثمانية عشر.

قال الزجاج: ويدلُّ عليه قوله بعد هذه الآية: { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ }.

وقال أبو رَجَاءٍ العطاردي فإن يكفر بها أهل الأرض، فقد وكلَّنا بها أهل السماء، يعني الملائكة، وهو بعيد؛ لأن اسم القوم كُلُّ ما يقع على غير بني آدم.

وقال مجاهد: هم الفرس.

وقال ابن زيد: كل من لم يكفر، فهو منهم، سَوَاءً كان ملكاً، أو نبيًّا، أو من الصحابة، أو من التابعين.

قوله: { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ } " أولئك " مفعول مُقدَّمٌ لـ " هدى الله " ويَضْعُفُ جعله مبتدأ على حذف العائد، أي: هداهم الله كقوله:أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } [المائدة:50] برفع " حُكْمُ " [والإشارة بـ " أولئك " إلى الأنبياء المتقدم ذكرهم].

قوله: { فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } قرأ الأخوان بحذف الهاء في الوَصْلِ والباقون أثبتوها وَصْلاً وَوَقْفاً، إلا أن ابن عامر بكسرها، ونقل ابن ذكوان عنه وجهين:

أحدهما: الكَسْر من غير وَصْلٍ بمدة، والباقون بسكونها. أما في الوقف فإن القراء اتَّفَقُوا على إثباتها سَاكِنةً واختلفوا في " مَالِيَه " و " سُلْطَانِيَه " في " الحاقَّة " وفي " مَاهِيَهْ " في " القارعة " بالنسبة إلى الحذف والإثبات، واتفقوا على إثباتها في " كِتَابِيَهْ " و " حِسَابِيِهْ " فأما قراءة الأخوين، فالهاء عندهما للسَّكْتِ، فلذلك حَذَفَاهَا وصْلاً؛ إذ محلها الوَقْفُ، وأثبتاها وقفاً إتْبَاعاً لِرَسْمِ المصحف, وأما من أثبتها ساكنة، فيحتمل عنده وجهين:

أحدهما: هي هاء سَكْتٍ، ولكنها ثبتت وَصْلاً إجْرَاءً للوصْلِ مجرى الوَقْفِ، كقوله:لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ } [البقرة:259] في أحد الأقوال كما تقدم.

السابقالتالي
2 3 4