الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ }

قوله: " فَلَمَّا جَنَّ " يجوز أن تكون هذه الجملة نَسَقاً على قوله: " وإذْ قاَلَ إبْرَاهِيمُ " عطفاً للدليل على مدلوله، فيكون " وكَذلِكَ نُرِي إبْرَاهِيمَ " معترضاً كما تقدم، ويجوز أن تكون مَعْطُوفَةً على الجملة من قوله: " وكَذلِكَ نُري إبراهيم ".

قال ابن عطيَّة: " الفاء " في قوله: " فَلَمَّا " رَابِطَةٌ جملة ما بعدها بما قبلها، وهي ترجح أن المراد بالملكوت التَّفْضِيلُ المذكور في هذه الآية، والأوَّل أحسن، وإليه نحا الزمخشري.

و " جَنَّ ": سَتَرَ وقد تقدم اشْتِقَاقُ هذه المادة عند ذكرٱلْجَنَّةَ } [البقرة:35] وهنا خصوصية لذكر الفِعْلِ المسند إلى الليل يقال: جَنَّ عليه الليل, وأجن عليه بمعنى: أظْلَمَ فيستعمل قاصراً، وجَنَّةُ وأجَنَّةُ، فيستعمل متعدياً فهذا مما اتفق فيه فَعَلَ وأفْعَلَ لزوماً وتعدياً إلا أن الأجْوَدَ في الاستعمال جَنَّ عليه الليل, وأجنه الليل، فيكون الثلاثيّ لازماً وأفعل متعدياً.

ومن مجيء الثلاثي متعدياً قوله: [المتقارب]
2212- وَمَاءٍ وَرَدْتُ قُبَيْلَ الكَرَى   وَقَدْ جَنَّهُ السَّدَفُ الأدْهَمُ
ومصدره جَنٌّ وجنان وجنون.

وفرق الرَّاغِبُ بين " جَنَّه " و " أجَنَّه " ، فقال: جنه إذا سترَهُ، وأجنه جعل له ما يجنه، كقولك: قَبَرْتُهُ وأقْبَرتُهُ، وسَقَيْتُهُ وأسْقَيْتُهُ وقد تقدم لك شيء من هذا عند ذكر " حزن " و " أحزن " [البقرة: 38] ويحتمل أن يكون " جنَّ " في الآية الكريمة متعدياً حذف المفعول فيها، تقدير: جَنَّ عليه الأشْيَاء والمبصرات.

قوله: " رَأى كَوْكَباً " هذا جواب " لمَّا " ، وللقراء فيه وفيما بعده من الفعلين خلافٌ كبير بالنسبة إلى الإمالةِ وعدمها، وتلخيصه أن " رأى " الثابت الألف فأمال رَاءَهُ وهمزته إمالة مَحْضَة الأخوان، وأبو بكر عن عاصم، وابن ذكوان عن ابن عامر، وأمال الهمزة منه فقط دون الراء أبو عَمْرٍو وبكماله، وأمال السوسي بخلاف عنه عن ابن عَمْرٍو الراء أيضاً، فالسوسي في أحد وَجْهَيْهِ يوافق الجماعة المتقدمين، وأمال وَرْشٌ الراء والهمزة بَيْنَ بَيْنَ من هذا الحرف، حيث وقع هذا كله ما لم يَتِّصِلْ به ضمير نحو ما تقدم، فأما إن اتَّصَلَ به ضمير نحو:فَرَآهُ فِي سَوَآءِ } [الصافات:55]فَلَمَّا رَآهَا } [النمل:10]وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ } [الأنبياء:36]، فابن ذكوان عنه وجهان، والباقون على أصولهم المتقدمة.

وأما " رأى " إذا حذفت ألفه فهو على قسمين: قسم لا تعود فيه ألبتة لا وَصْلاً ولا وَقْفاً، نحو:رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ } [الفرقان:12]رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ } [يونس:54] فلا إمالة في شيء منه، وكذا ما انقلبت ألفه ياءً نحو:رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ } [الإنسان:20].

وقِسْمٌ حُذِفَتْ أله لالتِقَاءِ السَّاكنين وصْلاً، وتعود وَقْفاً نحو:رَأَى ٱلْقَمَرَ } [الأنعام:77]رَأَى ٱلشَّمْسَ } [الأنعام: 78]وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ } [الكهف:53]وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } [النحل:85] فهذا فيه خلاف أيضاً بين أهل الإمالة اعتباراً باللفظ تارة، وبالأصل أخرى، فأمال الراء وحدها من غير خلاف حمزة وأبو بكر عن عَاصِمٍ والسُّوسي بخلاف عنه وحده، وأما الهمزة فأمَالَهَا مع الراء أبو بكر والسُّوسي بخلاف عنهما، هذا كله إذا وصلت،أما إذا وقفت فإن الألف تَرْجِعُ لعدم المُقْتَضِي لِحَذْفِهَا، وحكم هذا الفعل حينئذ حكم ما لم يَتَّصِلْ به سَاكِنٌ فيعود فيه التَّفْصِيلُ المُتقدِّم، كما إذا وقفت على " رأى " من نحو:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8