" وكذلك " في هذه الآيات ثلاثة أوجه: أظهرها: أنها للتشبيه، وهي في مَحَلِّ نصب نَعْتاً لمصدر محذوف، فقدره الزمخشري: " ومثل ذلك التعريف والتصيير نعرف إبراهيم ونبصره ملكوت ". وقَدَّرَهُ المَهْدَوِيُّ: " وكما هديناك يا محمد أرينا إبراهيم ". قال أبو حيان: وهذا بعيدٌ من دلالة اللفظ. قال شهاب الدين: إنما كان بعيداً؛ لأن المحذوف من غير المَلْفُوظِ به، ولو قدره بقوله: " وكما أريناك يا محمد الهداية " ، لكان قريباً لدلالة اللفظ والمعنى معاً عليه. وقدَّرهُ أبو البقاء بوجهين: أحدهما: قال: " هو نَصْبٌ على إضمار " أرَيْنَاهُ " تقديره: وكما رآه أباه وقومه في ضلال مبين، أريناه ذلك؛ أي: ما رآه صواباً بإطلاعنا إياه عليه ". الثاني: قال: " ويجوز أن يكون منصوباً بـ " نرى " التي بعده على أنه صِفَةٌ لمصدر محذوف؛ تقديره نريه ملكوت السموات والأرض رُؤيةَ كرؤية ضلال أبيه " انتهى. قال شهابُ الدين فقوله: " على إضمار أريناه " لا حاجة إليه ألْبَتَّة، ولأنه يقتضي عدم ارتباط قوله: " نري إبراهيم ملكوت " بما قبله. الثاني: أنها للتَّعْلِيلِ بمعنى " اللام " أي: ولذلك الإنكار الصَّادرِ منه عليهم، والدعاء إلى الله في زَمَنٍ كان يُدْعَى في غير الله آلهة نريه ملكوت. الثالث: أن " الكاف " في مَحَلِّ رفع على خبر ابتداء مضمر، أي: والأمر كذلك، أي كما رآه من ضلالتهم نقل الوجهين الآخرين أبو البقاء وغيره. و " نُرِي " هذا مضارع، والمراد به حكاية حالِ ماضيه، والتقدير: كذا نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض. و " نري " يحتمل أن تكون المُتعدِّية لاثنين؛ لأنها في الأصل بصرية، فأكسبتها همزة النقل مفعولاً ثانياً، وجعلها ابن عطية مَنْقُولةً من " رأى " بمعنى " عرف " ، وكذلك الزمخشري فإن قال فيما قدمت حكايته عنه: " ومثل ذلك التعريف نُعَرِّف ". قال أبو حيان بعد حكايته كلام ابن عطية: " ويحتاج كون " رأى " بمعنى " عرف " ثم يتعدى بالهمزة إلى مفعولين إلى نَقْلِ ذلك عند العربِ، والذي نقل النحويون أن " رأى " إذا كانت بصريَّة تعدَّتْ لمفعول، وإذا كانت بمعنى " علم " الناصبة لمفعولين تعدَّتْ إلى مفعولين ". قال شهابُ الدِّين: والعَجَبُ كيف خص بالاعتراض ابن عطية دون الزمخشري، وهذه الجملة المُشْتَمِلةُ على التشبيه، أو التعليل معترضة بين قوله: " وإذْ قال إبراهيمُ " منكراً على أبيه وقومه عبادَةَ الأصنام، وبين الاستدلال عليهم بوحدانية الله - تعالى - ويجوز ألاَّ تكون معترضةً إن قلنا: إن قوله: " فلما " عطف على ما قبله، وسيأتي " والملكوت " مصدر على " فَعَلُوت " بمعنى المُلْك، وبني على هذه الزِّنَةِ، والزيادة للمبالغة.