الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّيۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

اعلم أنه - تعالى - يَحْتَجُّ كثيراً على مشركي العرب بأحوال إبراهيم - عليه السلام - وذلك لأنه رَجُلٌ يَعْتَرفُ بِفَضْلِهِ جميع الطوائف والملل، فالمشركون كانوا معترفين بفضله، مُتَشَرِّفين بأنهم من أولاده، وسائر الملل تعظمه، فلهذا السبب ذكر الله حالُه في معرض الاحتجاج، والسبب في حصول هذه المرتبة العظيمة لإبراهيم عليه الصلاة والسلام أنّه سلَّمَ قلبه للعرفان, ولسانهُ للبرهان، وبَدنَهُ للنيران، وولدَهُ للقربان، ومَالهُ للضِّيفانِ.

أما تسليم قلبه للعرفان، فهو قوله:أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [البقرة:131].

وأما تسليم لسانه للبرهان: فَمُنَاظَرتُهُ مع نمرود، حيث قال:رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ } [البقرة:258] ومناظرته مع الكفار بالفعل حين كسَّر أصنامهم، وجعلها جُذَاذاً، وقوله بعد ذلك:أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ } [الأنبياء:66].

وأما تسليم بدنه للنيران: فحين ألْقِيَ فيها.

وأما تسليم ولده لِلْقُربانِ: فحين أمر بذبح ولده " فَتَلَّهُ للجَبِينِ ".

وأما تسليم ماله للضيفان: فمشهورة.

قوله: " وإذ قال " " إذ " منصوب بفعل محذوف، أي: اذكر، وهو معطوف على " أقيموا ": قاله أبو البقاء، وقال: في محل خَفْضٍ بالظرف.

قوله: " آزَرَ " الجمهور على " آزرَ " بزنة " آدم " ، مفتوح الزاي والراء، وإعرابه حينئذ على أوجه:

أحدها: أنه بدلٌ من أبيه، أو عطف بيان له إن كان آزر لَقَباً له، وإن كان صفة له بمعنى المخطئ [كما قال الزجاج] أو المعوج كما قاله الفراء، وسليمان التيمي، أو الشيخ الهرم كما قاله الضحاك فيكون نعتاً لـ " أبيه " ، أو حالاً منه بمعنى: وهو في حال اعْوِجَاج أو خطأ، وينسب للزجاج.

وإن قيل: إن " آزر " كان اسم صنم كان أبوه يعبده، كما قاله سعيد بن المسيب ومجاهد، فيكون إذ ذاك عطف بيان لـ " أبيه " أو بدلاً منه، ووجه ذلك أنه لما لازم عبادته نُبِزَ به وصار لقباً له كما قال بعض المحدثين: [البسيط]
2208- أدْعَى بِأسْمَاءَ نَبْزاً فِي قَبَائِلِهَا   كَأنَّ أسْمَاءَ أضْحتْ بَعْضَ أسمَائِي
كذا نَسَبَهُ الزمخشري إلى بعض المحدثين، ونسبه أبو حيان لبعض النحويين.

قال الزمخشري: " كما نبز ابن قيس بـ " الرقيات " [اللاتي كان يُشبِّبُ بهن فقيل: ابن قيس الرُّقَيَّات " ] أو يكون على حذف مضاف، أي لـ " أبيه " عابد آزر، ثم حذف المضاف, وأقيم المضاف إليه مُقَامَهُ، وعلى هذا فيكون عابد صفة لـ " أبيه " أعْرِبَ هذا بإعرابه، أو يكون منصوباً على الذَّمِّ.

و " آزر " ممنوع من الصرف، واختلف في عِلِّةِ منعه، فقال الزمخشري: والأقرب أن يكون وزن " آزر " " فاعل " كـ " عابر " و " شالخ " و " فالغ " فعلى هذا هو ممنوع للعلميّة والعُجْمَةِ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6