الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ وَلَهُ ٱلْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ }

لمَّا بيَّن في الآيات المتقدمة فساد طريقة عبادة الأصنام ذكر هاهنا ما يدل على أنْ لا معبود إلاَّ الله، وذكرها هاهنا أنواعاً من الدلائل:

أحدها: قوله: { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } تقدم أول السورة.

وقوله: " بالحق " قيل: الباء بمعنى اللام، أي إظهار للحق؛ لأنه جعل صُنْعَهُ دليلاً على وحدانيته، فهو نظير قوله:رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً } [آل عمران:191]، وقوله:وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ } [الدخان:38].

وثانيها: قوله: { وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ } في " يوم " ثمانية أوجه:

أحدهما: - وهو قول الزَّجَّاج - أنه مفعول به لا ظرْفٌ، وهو معطوف على الهاء في " اتقوه " أي: واتقوا يوماً أي: عقاب يوم يقول، أو هوله أو فزعه، فهو كقوله تعالى في موضع آخر:وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي } [البقرة:48] على المشهور في إعرابه.

والثاني: أنه مفعول به أيضاً، ولكنه نَسَقٌ على السموات والأرض، أي: وهو الذي خَلَقَ يوم يقول.

الثالث: أنه مفعول لـ " اذكر " مقدراً.

الرابع: أنه منصوب بعامل مقدر، وذلك العامل المُقّدَّرُ مفعول فعل مقدر أيضاً، والتقدير: واذكروا الإعادة يوم يقول: كن، أي يوم يقول الله للأجساد: كوني مُعَادَةً.

الخامس: أنه عَطْفٌ على موضع قوله: " بالحق " فإن موضعه نَصْبٌ، ويكون " يقول " بمعنى قال ماضياً, كأنه قيل: وهو اذي خلق السموات والأرض بالحق ويوم قال لها: كن.

السادس: أن يكون " يوم يقول: كن فيكون، وإليه نحا الزمخشري، فإنه قال: " قوله الحق " مبتدأ، و " يوم يقول " خبره مقدماً عليه، وانْتِصَابُهُ بمعنى الاستقرار، كقولك: " يوم الجمعة القتال " واليوم بمعنى الحينِ، والمعنى: أنه خلق السموات والأرض قائماً بالحكم، وحين يقول لشيء من الأشياء: كن فيكون ذلك الشيء قوله الحق والحكمة.

فإن قيل: قول الله حَقّ في كل وقت، فما الفائدةُ في تخصيص هذا اليوم بهذين الوصفين؟ فالجواب: لأن هذا اليوم لا يَظْهَرُ فيه من أحَدٍ نَفْعٌ ولا ضر، كما قال تعالى:يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً } وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } [الانفطار:19] فلهذا السبب حَسُنَ هذا التخصيص.

السابع: أنه مَنْصُوبٌ على الظرف، والناصب له معنى الجملة التي هي " قوله الحق " أي: حق قوله في يوم يقول: كن.

الثامن: أنه مَنْصُوبٌ بمحذوف دلَّ عليه بالحق.

قال الزمخشري: وانْتِصَابُ اليوم بمحذوف دلَّ عليه قوله: " بالحق " ، كأنه قيل: " وحين يكون ويقدر يقوم بالحق " قال أبو حيان: " وهذا إعراب مُتَكَلَّفٌ ".

قوله: " فيكون " هي هنا تامَّةٌ، وكذلك قوله: " كُنْ " فتكتفي هنا بمرفوع، ولا تحتاج إلى منصوب، وفي فاعلها أربعة أوجه:

أحدها: أنه ضمير جميع ما يخلقه الله - تعالى - يوم القيامة، كذا قَيَّدَهُ أبو البقاء بيوم القيامة.

السابقالتالي
2 3 4