الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَذَرِ الَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ }

" اتَّخّذُوا " فيها وجهان:

أحدهما: أنها مُتَعَدِّيَةٌ لواحد، على أنها بمعنى " اكتسبوا " و " عملوا " ، و " لهواً ولعباً " على هذا مفعول من أجله؛ أي: اكتسبوه لأجل اللهو واللعب.

والثاني: أنها المُتَعَدِّية إلى اثنين: أولهما " دينهم " وثانيهما " لعباً ولهواً ".

قال أبو حيَّان: ويظهر من بعض كلام الزمخشري، وكلام ابن عطية أنَّ " لعباً ولهواً " هو المفعول الأوَّل، و " دينهم " هو المفعول الثاني.

قال الزمخشري: أي دينهم الذي كان يجب أن يأخذوا به لَعِباً ولهواً، وذلك أن عبادتهم وما كانوا عليه من تَبْحِير البَحَائِرِ وتسييب السَّوائبِ من باب اللَّهْوِ واللعب, واتِّباعِ هوى النفسن وما هو من جِنْسِ الهَزْلِ لا الجدِّ، أو اتخذوا ما هولَعِبٌ ولهو من عبادة الأصنام دِيناً لهم، أو اتخذوا دينهم الذي كُلِّفُوهُ، وهو دين الإسلام لعباً ولهواً حيث سخروا به؛ قال: " فظاهر تقديره الثاني يدلّ على ما ذكرنا ".

وقال ابن عطيَّة: " وأضاف الذِّبنَ إليهم على مَعْنَى أنهم جعلوا اللَّعِبَ واللهو ديناً, ويختمل أن يكون المعنر: اتخذوا دِينَهُمُ الذي كان يَنْبَغِي لهم لعباً ولهواً, فتفسيره الأوَّلُ هو ما ذكرناه عنه ". انتهى.

قال شهاب الدين: وهذا الذي ذَكَرَاهُ إنما ذَكَرَاهُ تفسير معنى لا تفسير إعراب، وكيف يجعلان النكرة مَفْعُولاً أوَّل، والمعرفة مفعولاً ثانياً من غير داعية إلى ذلك، مع أنهما من أكابر أهْلِ هذا اللسان، وانظر كيف أبرزا ما جَعَلاَهُ مفعولاً أول معرفة، وما جعلاه ثانياً نكرة في تركيب كلامها [يخرج] على كلام العرب، فكيف يظن بهما أن يجعلا النكرة محدثاً عنها، والمعرفة حديثاً في كلام الله تعالى؟

قوله تعالى: و { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } تحتمل وجهين:

أحدهما: أنها مستأنفة.

والثاني: أنها عطف على صلة " الَّذين " ، أي: الذين اتَّخّذُوا وغرَّتْهُم، وقد تقدم معنى " الغُرُور " في آخر آل عمران.

وقيل: هنا: غَرَّتْهُمْ من " الغَرّ " بفتح الغين، أي: ملأت أفواههم وأشبعتهم، وعليه قول الشاعر: [الطويل]
2199- وَلَمَّا الْتَقَيْنَا بِالحُلَيْبَةِ غَرَّنِي   بِمَعْرُوفِهِ حَتَّى خَرَجْتُ أفُوقُ
فصل في معنى الآية

المُرَادُ من هولاء الذي اتخذوا دينهُمْ لعباً ولهواً، يعني الكفار الذين إذا سَمِعُوا آيات الله استهزءوا بها وتلاعبوا.

وقيل: إن الله - تعالى - جعل لكل قوم عِيداً واتَّخَذَ كل قوم دينهم؛ أي عيدهم لعباً ولهواً، وعيد المسلمين الصلاة والتكبير، وفعل الخير مثل الجُمُعَةِ والفِطْرِ والنَّحْر.

وقيل: إن الكُفَّارَ كانوا يحكمون في دين الله بمجرَّدِ [التشهِّي والتمني مثل تحريم] السَّوائبِ والبَحَائِرِ.

وقيل: اتخاذهم الأصنام وغيرها ديناً لهم.

وقيل: هم الذين ينصرون الدين ليتوسَّلُوا به إلى أخْذِ المناصِبِ والرِّيَاسَةِ، وغلبة الخَصْمِ، وجمع الأموال، فهولاء الذين [نصروا الدِّين] لأجل الدنيا، وقد حكم الله على الدنيا في سائر الآيات بأنها لَعِبٌ ولَهْوٌ.

السابقالتالي
2 3 4