الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } * { وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ ٱلْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } * { لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }

وهذا نوع آخر من دلائلِ التوحيد مَمْزُوجٌ بالتخويف فبين كونه - تعالى - قادراً على إيصال العذاب إليهم من هذه الطُّرُقِ المختلفة تارة من فوقهم، وتارةً من تحت أرجلهم، فقيل: هذا حقيقة.

فأما العذابُ من فوقهم كالمطرِ النازل عليهم في قِصَّةِ نوح، والصَّاعقةِ، والرِّيحِ، والصَّيْحةِ، ورَمْي أصحاب الفيل.

وأما الذي من تحت أرجلهم: كالرَّجْفَةِ والخَسْفِ، وقيل: حبس المطر والنبات. وقيل: هذا مجاز.

قال مجاهد وابن عباس في رواية عكرمة: " مِنْ فَوْقِكُمْ " أي: من الأمراء، أو من تحت أرجلكم من العبيد والسَّفلةِ.

قوله: { عَذَاباً مِنْ فَوقكُم } يجوز أن يكون الظَّرْفُ معلِّقاً بـ " نبعث " وأن يكون متعلّقاً بمحذوف على أنه صفةٌ لـ " عذاباً " أي: عذاباً كائناً من هاتين الجِهَتين. قوله: { أوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً } عطف على " يبعث ".

والجمهور على فتح الياء من " يَلْبِسَكُمْ " وفيه وجهان:

أحدهما: أنه بمعنى يخلطكم فِرقاً مختلفين على أهْوَاء شَتَّى كل فرقة مُشَايعة لإمام، ومعنى خَلْطِهِم: إنْشابُ القتالِ بينهم، فيختلطون في ملاحم القتال كقول الحماسي: [الكامل]
2190- وَكَتِيبَةٍ لَبَّسْتُهَا بِكَتيبَةٍ   حَتَّى إَذَا الْتَبَسَتْ نَفَضْتُ لَهَا يِدِي
فَتَرَكْتُهُمْ تَقِصُ الرِّمَاحُ ظُهُورَهُمْ   مَا بَيْنَ مُنْعَفِرٍ وَآخَرَ مُسْنَدِ
وهذه عبارة الزمخشري: فجعله من اللَّبْسِ الذي هو الخَلْطُ، وبهذا التفسير الحسن ظهر تعدِّي " يلبس " إلى المفعول، و " شِيَعاً " نصب على الحال، وهي جمع " شِيْعة " كـ " سِدْرَة " و " سِدَر ".

وقيل: " شِيعاً " منصوب على المصدر من معنى الفعل الأول, أي: إنه مصدر على غير الصدر كقعدت جلوساً.

قال أبو حيَّان: " ويحتاج في جعله مصدراً إلى نقل من اللغة ".

ويجوز على هذا أيضاً أن يكون حالاً كـ " أتَيْتُهُ رَكْضاً " أي: راكضاً، أو ذا ركض.

وقال أبو البقاء: والجمهور على فتح الياء، أي: يَلْبِسُ عليكم أموركم، فحذف حرف الجر والمفعول، والأجود أن يكون التقدير: أو يَلْبِسُ أموركم، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه.

فصل في معنى الآية

قال المُفَسِّرُونَ: معناه: أن يجعلكم فرقاً، ويثبت فيكم الأهواء المختلفة.

وروى عمرو بن دينار عن جابرٍ، قال: " لما نزلت هذه الآية { قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعُوذُ بِوَجْهِكَ " قال: { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } قال: " أعُوذُ بِوَجْهِكَ ". قال: { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } قال رسوله الله صلى الله عليه وسلم: " هذا أهْوَنُ أوْ هَذَا أيْسَرُ " وعن عامر بن سعد بن أبي وقَّاصٍ، عن أبيه قال:

السابقالتالي
2 3 4