الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ يَقُصُّ ٱلْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَٰصِلِينَ }

قوله: { إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي } أي: على بيانِ أو بَصِيرةٍ وبُرهانٍ من ربي.

قوله: " وكَذَّبْتُم به " في هذه الجملة وجهان:

أحدهما: أنها مُسْتَأنَفَةُ سِيقَتْ للإخبارِ بذلك.

والثاني: أنها في مَحَل نصبٍ على الحالِ، وحينئذٍ هل يحتاج إلى إضمار " قد " أم لا؟

و " الهاء " في " به " يجوز أن تعود على " ربِّي " ، وهو الظاهر.

وقيل: على القرآن؛ لأنه كالمذكور.

وقيل: على اسْتِعْجَالهِمْ بالعذاب؛ لأنهم كانوا يقولون:إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً } [الأنفال:32].

وقيل: على بيِّنةٍ؛ لأنها في معنى البيانِ.

وقيل: لأن " التاء " فيها للمُبالغةِ، والمعنى على أمرٍ بيِّنٍ من ربي.

و " مِنْ ربِّي " في محلِّ جَرِّ صِفَةً لـ " بيِّنَةٍ ".

قوله: " ما عِنْدي مَا تَسْتَعْجِلُون بِهِ " كان عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يخوِّفهم نزول العذاب, فقال تعالى: قال يا محمَّد: ما عندي ما تَسْتَعْجِلُونَ به، يعني قولهم:إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } [الأنفال:32].

وقيل: أراد به القِيامَةَ؛ لقوله تعالى:يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا } [الشورى:18].

قوله: { إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ } أي: في تأخير عذابهم.

قوله: " يَقُصُّ الحقَّ " قرأ نافع، وابن كثير، وعاصم " يَقُصُّ " [بصاد مهملة مشددة] مرفوعة، وهي قراءة ابن عبَّاسٍ، والباقون بضادٍ معجمة مخففة مكسورة، وهاتان في المتواتر.

وقرأ عبد الله، وأبَيٌّ، ويحيى بن وثَّابٍ، والنخعي، والأعمش، وطلحة: " يَقْضِي بالحقِّ " من القضاءِ.

وقرأ سعيد بن جُبَيْرٍ، ومجاهد: " يقضي بالحقِّ وهو خير القاضين ". فأمَّا قراءة " يقضي " فَمِنَ القضاء.

ويؤيده قوله: " وهُوَ خَيْرُ الفَاصِلِينَ " فإن الفَصْلَ يناسب القضاء، ولم يُرْسَمْ إلاَّ بضاد، كأن " الباء " حذفت خطَّاً كما حذفت لَفْظاً لالتقاء الساكنين، كما حُذِفَتْ من نحو:فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُر } [القمر:5].

وكما حذفت " الواو " فيسَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } [العلق:18]وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ } [الشورى:24] كما تقد‍َّم.

وأمَّا قراءةُ نَصْبِ " الحقّ " بعدهُ، ففيه أربعة أوجه:

أحدها: أنه مَنْصُوبٌ على أنه صِفَةٌ لمصدر مَحْذُوفٍ، أي: يقضي القضاء الحقّ.

والثاني: أنه ضمَّن " يقضي " معنى " ينفذ " ، فلذلك عدَّاهُ إلى المفعول به.

الثالث: أن " قضى " بمعنى " صَنَع " فيتعدَّى بنفسه من غير تَضْمينٍ، ويدُلُّ على ذلك قول الهُذَلِيّ شِعْراً: [الكامل]
2185- وَعَليْهِمَا مَسْرُودتانِ قَضَاهُمَا   دَاوُدُ أوْ صَنَعُ السَّوابِغِ تُبَّعُ
[أي: صنعهما] داود.

الرابع: أنه على إسْقَاطِ حَرْفِ الجرِّ، أي: يقضي بالحق، فلما حذف انْتَصَبَ مَجْرُورُهُ على حَدِّ قوله: [الوافر]
2186- تَمُرُّونَ الدِّيَار وَلَمْ تَعُوجُوا   .......................
ويُؤيِّد ذلك القراءة بها الأصل.

وأمَّا قراءةُ " يَقُصُّ " فمن " قَصَّ الحديثَ " , أو مِنْ " قَصَّ الأثَرَ " أي: تتبَّعه.

السابقالتالي
2