قوله: { إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي } أي: على بيانِ أو بَصِيرةٍ وبُرهانٍ من ربي. قوله: " وكَذَّبْتُم به " في هذه الجملة وجهان: أحدهما: أنها مُسْتَأنَفَةُ سِيقَتْ للإخبارِ بذلك. والثاني: أنها في مَحَل نصبٍ على الحالِ، وحينئذٍ هل يحتاج إلى إضمار " قد " أم لا؟ و " الهاء " في " به " يجوز أن تعود على " ربِّي " ، وهو الظاهر. وقيل: على القرآن؛ لأنه كالمذكور. وقيل: على اسْتِعْجَالهِمْ بالعذاب؛ لأنهم كانوا يقولون:{ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً } [الأنفال:32]. وقيل: على بيِّنةٍ؛ لأنها في معنى البيانِ. وقيل: لأن " التاء " فيها للمُبالغةِ، والمعنى على أمرٍ بيِّنٍ من ربي. و " مِنْ ربِّي " في محلِّ جَرِّ صِفَةً لـ " بيِّنَةٍ ". قوله: " ما عِنْدي مَا تَسْتَعْجِلُون بِهِ " كان عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يخوِّفهم نزول العذاب, فقال تعالى: قال يا محمَّد: ما عندي ما تَسْتَعْجِلُونَ به، يعني قولهم:{ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } [الأنفال:32]. وقيل: أراد به القِيامَةَ؛ لقوله تعالى:{ يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا } [الشورى:18]. قوله: { إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ } أي: في تأخير عذابهم. قوله: " يَقُصُّ الحقَّ " قرأ نافع، وابن كثير، وعاصم " يَقُصُّ " [بصاد مهملة مشددة] مرفوعة، وهي قراءة ابن عبَّاسٍ، والباقون بضادٍ معجمة مخففة مكسورة، وهاتان في المتواتر. وقرأ عبد الله، وأبَيٌّ، ويحيى بن وثَّابٍ، والنخعي، والأعمش، وطلحة: " يَقْضِي بالحقِّ " من القضاءِ. وقرأ سعيد بن جُبَيْرٍ، ومجاهد: " يقضي بالحقِّ وهو خير القاضين ". فأمَّا قراءة " يقضي " فَمِنَ القضاء. ويؤيده قوله: " وهُوَ خَيْرُ الفَاصِلِينَ " فإن الفَصْلَ يناسب القضاء، ولم يُرْسَمْ إلاَّ بضاد، كأن " الباء " حذفت خطَّاً كما حذفت لَفْظاً لالتقاء الساكنين، كما حُذِفَتْ من نحو:{ فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُر } [القمر:5]. وكما حذفت " الواو " في{ سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } [العلق:18]{ وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ } [الشورى:24] كما تقدَّم. وأمَّا قراءةُ نَصْبِ " الحقّ " بعدهُ، ففيه أربعة أوجه: أحدها: أنه مَنْصُوبٌ على أنه صِفَةٌ لمصدر مَحْذُوفٍ، أي: يقضي القضاء الحقّ. والثاني: أنه ضمَّن " يقضي " معنى " ينفذ " ، فلذلك عدَّاهُ إلى المفعول به. الثالث: أن " قضى " بمعنى " صَنَع " فيتعدَّى بنفسه من غير تَضْمينٍ، ويدُلُّ على ذلك قول الهُذَلِيّ شِعْراً: [الكامل]
2185- وَعَليْهِمَا مَسْرُودتانِ قَضَاهُمَا
دَاوُدُ أوْ صَنَعُ السَّوابِغِ تُبَّعُ
[أي: صنعهما] داود. الرابع: أنه على إسْقَاطِ حَرْفِ الجرِّ، أي: يقضي بالحق، فلما حذف انْتَصَبَ مَجْرُورُهُ على حَدِّ قوله: [الوافر]
2186- تَمُرُّونَ الدِّيَار وَلَمْ تَعُوجُوا
.......................
ويُؤيِّد ذلك القراءة بها الأصل. وأمَّا قراءةُ " يَقُصُّ " فمن " قَصَّ الحديثَ " , أو مِنْ " قَصَّ الأثَرَ " أي: تتبَّعه.