الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ }

" الكاف " في مَحَلِّ نَصبٍ على أنها نَعْتٌ لمصدر محذوف، والتقدير: ومثل ذلك الفُتُون المتقدم الذي فُهِمَ من سياقِ أخبار الأمم الماضية فتنَّا بعضَ هذه الأمَّةِ بِبَعْضٍ، فالإشَارَةُ بذلك إلى الفُتُونِ المَدْلُولِ عليه بقوله: " فَتَنَّا " ، ولذلك قال الزمخشري: ومثل ذلك الفتن العظيم فتن بعض الناسِ ببعضٍ فجعل الإشارة لِمصدَرِ فَتَنَّا. وانظر كيف لم يَتَلَّفَظْ هو بإسناد الفِتْنَةِ إلى اللَّهِ - تعالى - في كلامِهِ، وإن كان البارئ - تعالى - قد أسْنَدَها، بل قال: فتن بعض الناس فَبَناهُ للمفعُول على قَاعِدةِ المعتزلة.

وجعل ابن عطية الإشارة إلى طلب الطَّرْدِ، فإنه قال بعد كلام يتعلٌّق بالتفسير: " والإشارة بذلك إلى ما ذُكِرَ من طلبهِمْ أن يطرد الضَّعفَةَ ".

قال أبُو حيَّان: ولا ينتظم هذا التَّشْبيه؛ إذ يصير التقدير: مثل طلب الطرد فَتَنَّا بعضهم ببعض والمَتَبَادَرُ إلى الذِّهْنِ من قولك: " ضربتُ مثل ذلك " المُمَاثَلَةُ في الضرب، أي: مثل ذلك الضرب لا أن تَقَعَ المُمَاثَلَةُ في غير الضَّرْبِ، وقد تقدَّم مِرَاراً أن سيبويه يجعل مثل ذلك حالاً من ضمير المَصْدَرِ المقدر.

قوله: " لِيَقُولُوا " في هذه " اللام " وجهان:

أظهرهما: - وعليه أكثر المعربين والمُفسِّرين - أنها لام " كي " ، والتقدير: ومثل ذلك الفُتُون فَتَنَّا ليقولوا هذه المقالة ابْتِلاءً مَنَّا وامْتِحَاناً.

والثاني: أنها " لام " الصَّيْرُورَةِ أي: العاقبة كقوله: [الوافر]
2181- لِدُوا لِلْمَوْتِ وابْنُوا لِلْخَرَابِ   ................
فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً } [القصص:8]، ويكون قولهم " أهُؤلاء " إلى آخره صادراً على سبيل الاسْتِخْفَافِ.

قوله: " أهَؤلاءِ " يجوز فيه وجهان:

أظهرهما: أنه منصوب المَحَلِّ على الاشْتِغَالِ بفعلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ الفعل الظاهر، العاملُ في ضميره بِوَساطَةِ " على " ، ويكون المفسِّر من حيث المعنى لا من حيث اللفظ، والتقدير: أفَضَّلَ الله هؤلاء مَنَّ عليهم، أو اختار هؤلاء مَنَّ عليهم، ولا مَحَلَّ لقوله: " مَنَّ اللَّهُ عليهم " لكونها مُفَسّرة، وإنِّما رجَّحَ هنا إضمار الفعل؛ لأنه وقع بعد أداةٍ يغلبُ إيلاءُ الفعلِ لها.

والثاني: أنه مرفوع المَح‍َلّ على أنه مبتدأ، والخبر: مَنَّ اللَّهُ عليهم، وهذا وإن كان سَالِماً من الإضْمَارِ الموجود في الوجه الذي قبله، إلاَّ أنه مَرْجوحٌ لما تقدَّم، و " عليهم " مُتعلِّقٌ بـ " مَنَّ ".

و " من بَيْنِنَا " يجوز أن يتعلَّق به أيضاً.

قال أبو البقاء: " أي مَيَّزَهُمْ عَلَيْنَا، ويجوز أن يكون حالاً ".

قال أبو البقاء أيضاً: أي: مَنَّ عليهم منفردين، وهذان التفسيران تفسيرا مَعْنَى لا تفسيرا إعراب، إلاَّ أنه لم يَسُقْهُمَا إلاَّ تَفْسِيرَيْ إعراب.

والجملة من قوله: " أهؤلاءِ مَنَّ اللِّهُ " في محلِّ نصبٍ بالقولِ.

السابقالتالي
2 3