الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ }

قال سلمان، وخباب بن الأرت: فينا نزلت هذه الآية.

" جاء الأقْرَعُ بْنُ حِابِسٍ التَّمِيمِيُّ، وعُيَيْنَهُ بْنُ حِصْنٍ الفَزَارِيّ، وذووهم من المؤلَّفَةِ قُلوبُهُمْ فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً مع بلال، وصُهَيب, وعمَّار، وخبَّاب في ناسٍ من ضُعفاءِ المؤمنين، فلما رأوهم حوله حقروهم، فأتوه فقالوا: يا رسول الله لو جلست في صَدْرِ المسجد، ونَفَيْتَ عَنَّا هؤلاء وأرْوَاح جبَابِهِمْ، وكان عليهم جِبَابُ صُوفٍ ولم يكن عليهم غيرها، لجَالسْنَاكَ وأخذنا عَنْكَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا بِطَاردٍ المؤمنين، قالوا: فإنَّا نُحِبُّ أن تَجْعَلَ لنا منك مَجْلِساً تعرفُ به العربُ فَضْلَنَا، فإن وُفُودَ العرب تَأتِيكَ، فَنَسْتَحْيِي أن تَرَانا العربُ مع هؤلاء الأعْبُدِ، فإذا نحنُ جئنا فأبْعدهم عَنَّا، فإذا نحنُ فَرَغْنَا فاقْعُدْ مَعَهُمْ إن شئت، فقال " نعم " طَمَعاً في إيمانهم.

قال: ثم قالوا: اكْتُبْ لنا عليْك بذلك كتاباً.

قال: فَدَعا بالصَّحِيفَةِ، ودعا عليَّا لِيَكْتُب، قال: ونحن قعود في ناحيةٍ، إذ نزل جبريل عليه السلام بقوله: { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم } إلى قوله: " بِالشَّاكرين " فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة من يَدِهِ، ثم دعانا فأتيناه وهو يقول { سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كتبَ ربُّكُمْ على نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } وكنَّا نقعدُ معه حتى تَمَسَّ رُكْبَتُنَا رُكْبَتَهُ، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا، فأنزل الله تعالى: { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } [الكهف: 28] فترك القيام عَنَّا إلى أن نقوم عنه وقال: " الحَمْدُ للَّهِ الذي أمَرَنِي أنْ أصْبِرَ نَفْسِي مَعَ قومٍ من أمَّتِي معكُم المَحْيَا ومَعَكُم المَمَاتُ ".

فصل في بيان شبهة الطاعنين في العصمة

احْتَجَّ الطَّاعنون في عِصْمَةِ الأنبياء بهذه الآية من وجوه:

أحدها: أنَّهُ - عليه الصلاة والسلام - طَرَدَهُمْ، والله - تعالى - نَهَاهُ عن ذلك، فكان ذَنْباً.

وثانيها: أنه - تعالى - قال { فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } وقد ثبت أنه طَرَدهُمْ.

وثالثها: أنَّهُ - تعالى - حَكَى عن نُوح أنه قال:وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلْمُؤْمِنِين } [الشعراء:114] ثم إنه - تعالى - أمر مُحَمَّداً - عليه الصلاة والسلام - بمُتَابَعَةِ الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - في جميع الأعمال الحَسَنَةِ بقوله:فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } [الأنعام:90] فوجب على محمد - عليه الصلاة والسلام- ألاَّ يَطْرُدهُمْ [فلما طردهم] كان ذلك ذَنْباً.

ورابعها: أنه قال:وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [الكهف:28] وقال:وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [طه:131].

فنهاه عن الالْتِفَاتِ إلى زينةِ الحياة الدُّنيا، فكان ذَنْباً.

وخامسها: أن أولئك الفُقَراء كانوا كُلَّمَا دخلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الواقعة يقول:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7