الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاۤ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ }

هذا بقية الكلام على قوله: " لولا أنزل عليه آية من ربه " فقال الله تعالى: قل لهؤلاء الأقوام: إني بُعِثْتُ مبشّراً ومنذراً وليس لي أن أتَحَكَّمَ على اللَّهِ.

واعلم أن القَوْمَ كانوا يقولون: إن كنت رَسُولاً من عند الله فَاطْلُبْ من الله حتى يُوَسِّعَ عَلْينَا مَنَافِعَ الدُّنْيَا وخَيْرَاتِهَا، فقال الله تعالى: قل لهم " إني لا أقول لكم عندي خزائن الله " ، فهو - تعالى - يؤتي المُلْكَ من يشاء، ويُعِزُّ من يَشَاءُ، ويُذِلُّ من يشاء، لا بيدي.

الخَزَائنُ: جمع " خزانة " ، وهو اسم للمكان الذي يخزن فيه الشيء، وخَزْنُ الشيء إحرازه بحيث لا تَنَالُهُ الأيْدِي.

قوله: { وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْب } في مَحَلِّ هذه الجملة وَجْهَان:

أحدهما: النَّصْبُ عَطْفاً على قوله: { عِنْدِي خزائِنُ ٱللَّهِ } لأنه من جملة المَقُول، كأنه قال: " لا أقُولُ لكم هذا القول، ولا هذا القول ".

قال الزمخشري. وفيه نَظَرٌ من حيث إنه يُؤدِّي إلى أنه يصير التقدير: ولا أقُولُ لكم: لا أعلم الغَيْبَ وليس بصحيح.

والثاني: أنه معطوف على " لا أقول " لا مَعْمُولٌ له، فهو أمَرَ أن يخبر عن نَفْسِهِ بهذه الجُمَلِ الثلاث فهي معمولة للأمر الذي هو " قل " ، وهذا تخريج أبي حيَّان قال بعد أن حكى قول الزَّمخشري: " ولا يتَعيَّنُ ما قاله، بل الظَّاهرُ أنه مَعْطُوفٌ على لا أقول " إلى آخرة.

فصل في معنى الآية

والمعنى: أن القوم يقولون: إن كنت رَسُولاً من عند اللَّهِ، فلا بُدَّ وأن تخبرنا عمَّا سَيَقَعُ في المستقبل من المَصَالِحِ المضارِّ حتى نَسْتَعِدَّ لتحصيل تلك المنافع، ولدفع تلك المَضَارِّ، فقال تعالى: " قل: إني لا أعلم الغيب ولا أقول: إنّي ملك " ومعناه: أنهم كانوا يقولون:مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاق } [الفرقان:7] ويتزوج ويخالط الناس، فقال تعالى: قل لهم: إني لست من الملائكة.

فصل في بيان فائدة هذه الأحوال

اختلفوا في الفائدةِ من ذكر هذه الأحْوَالِ الثلاثة، فقيل: المرادُ منه أن يَظْهِرَ الرسول من نَفْسِه التَّواضُع للّه، والاعتراف بِعُبُوديَّتِهِ حتى لا يعتقد فيه مثل اعتقاد النَّصارى في المسيح عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ.

وقيل: إن القوم كاوا يَقْتَرِحُون عليه إظْهَارَ المعجزات القاهرة، كقولهم:لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُر لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } [الإسراء:90] فقال تعالى في آخر الآية:قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } [الإسراء:93] يعني: أنَا لا أدَّعِي إلاَّ الرسالةَ والنُّبُوَّة، وهذه الأمور التي طلبتموها، فلا يمكن تحصيلها إلاَّ بقدرة الله.

وقيل: المُرَادُ من قوله: { لا أقُولُ لكُمْ عِنْدِي خزائِنُ ٱللَّهِ } ، أي: لا أدَّعي كوني مَوْصُوفاً بالقُدْرَةِ، ولا أعلم الغَيْبَ، أي: ولا أدَّعي كَوْنِي موصوفاً بعلم الله تعالى، وبمجموع هَذَيْنِ الكلامين حَصَلَ أنه لا يدَّعِي الإلهيَّة.

السابقالتالي
2