الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ ءَامَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ ٱلْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }

والمقصود من هذه الآية أن الأنبياء إنما بُعِثُوا مُبَشِّرين بالثواب على الطَّاعاتِ، ومُنْذِرينَ بالعِقَابِ على المَعَاصي، ولا قُدْرَةَ لهم على إظْهَارِ الآيات والمُعْجِزَاتِ، بل ذلك مُفَوَّضٌ إلى مَشِيئَةِ الله وحكمته.

قوله: { إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } حالٌ من " المرسلين " ، وفي هذه الحال معنى الغَلَبة، أي: لم نرسلهم لأن نقترح عليهم الآيات، بل لأن يبشروا وينذروا.

وقرأ إبراهيم، ويحيى: " مُبْشِرين " بالتخفيف، وقَدْ تقد‍َّم أن " أبْشَرَ " لغة في " بَشَّر ".

قوله: " فَمَنْ آمَنَ " يجوز في " مَنْ " أن تكون شَرْطِيَّةً، وأن تكون مَوْصُولةً، وعلى كلا التقديرين فَمَحَلُّهَا رفع بالابتداء.

والخبر " فلا خَوْفَ " فإن كانت شَرْطِيَّة، فالفاء جواب الشَرْط، وإن كانت مَوْصُولةً فالفاء زائدة لشبه الموصول بالشرط، وعلى الأول يكون مَحَلُّ الجملتين الجَزْمَ، وعلى الثاني لا مَحَلِّ للأولى ومحل الثانية الرفع، وحمل على اللفظ فأفرد في " آمن " و " أصْلَحَ " ، وعلى المعنى فجمع في { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون } ، ويُقَوِّي كونها موصولة مقابلتها بالموصول بعدها في قوله: { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ }.

وقرأ علقمة: " نُمسُّهم ": بنون مضمومة من " أمَسَّه كذا " " العذابَ " نَصْباً، والمَسُّ في اللغة التِقَاءُ الشيئين من غير فصل.

وقرأ الأعْمَش، ويحيى بن وثاب " يَفْسِقُون " بكسر السّين، وقد تقدَّم أنها لُغَةٌ، و " ما " مصدريَّةٌ على الأظهر، أي بِفِسْقِهِمْ.

فصل في رد شبهة للقاضي

قال القاضي: إنه - تعالى - عَلَّلَ عذابَ الكفَّار؛ لأنهم فَاسِقينَ، فاقتضى أن يكون كل فاسق كذلك، فيقال له: هذا معارض بما أنه خص الذين كفروا وكذَّبوا بآيات الله وهذا يدل على أنه من لم يكن مكذّباً بآيات الله ألاَّ يلحقه هذا الوعيد أصلاً، وأيضاً فإن كان هذا الوعيدُ معلّلاً بِفِسْقِهِمْ فلم قلتم: إن فِسْقَ من عرف الله، وأقَرَّ بالتوحيد والنبوة والمعاد مُسَاوٍ لِفِسْقِ من أنكر هذه الأشياء؟