قوله تعالى: { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ } [الآية:31] وصف أحوال منكري البَعْثِ بأمرين: أحدهما: حصول الخُسْرَانِ، أي: خسروا أنفسهم بتكذيبهم المصير إلى اللَّهِ - تبارك وتعالى - بالبَعْثِ بعد الموت. والثاني: حَمْلُ الأوْزَارِ العظيمة, فأمَّا خسرانهم فهو حسرتهم على تفريطهم وفوات الثواب وحُصُول العقاب. قوله: { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَة } في نصب " بَغْتَةً " أربعة أوجه: أحدها: أنها مصدرٌ في موضع الحال من فاعل " جاءَتْهُمْ " , أي: مُبَاغتةً, وإمَّا من مفعوله أي: مبغوتين. الثاني: أنها مصدرٌ على غير الصَّدر؛ لأنَّ معنى " جاءتهم " بَغَتَتْهُمْ بغتة، فهو كقولهم: " أتيته رَكْضاً ". الثالث: أنَّها منصوبةٌ بفعل محذوف من لفظها، أي: تبغتهم بَغْتَة. الرابع: بفعل [من غير لفظها، أي: أتتهم بغتة، والبغت والبغتة مفاجأة الشيء بسرعة من] غير اعتدادٍ به، ولا جَعْلِ بالٍ منه حتَّى لو استشعر الإنسانُ به، ثم جاء بسرعة من غير اعتدادٍ به لا يُقَالُ فيه: بَغْتَة، وكذلك قول الشاعر في ذلك: [الطويل]
2144- إذَا بَغَتَتْ أشْيَاءُ قَدْ كَانَ قَبْلَهَا
قَدِيماً فَلاَ تَعْتَدَّهَا بَغَتَاتِ
والألف واللام في " السَّاعة " للغَلَبَةِ كالنَّجْمِ والثُّرَيَّا؛ لأنها غلبت على يوم القيامة، وسِّمَيتِ القيامَةُ سَاعةً لسرعة الحِسَابِ فيها على الباري تبارك وتعالى. وقيل: لأنَّ السَّاعة من الوَقْتِ الذي تقوم فيه القيامة؛ لأنها تَفْجأ الناس في ساعة لا يعلمها [أحدٌ] إلاَّ اللَّهُ تعالى. وقوله: " قالوا " هو جواب " إذا ". قوله: " يَا حَسْرَتَنَا " هذا مجازٌ؛ لأن الحَسْرَةَ لا يتأتى منها الإقْبَالُ، وإنَّما المعنى على المُبَالغَةِ في شِدَّةِ التَّحَسُّرِ، وكأنهم نادوا التحسُّر، وقالوا: إن كان لك وَقْتٌ، فهذا أوانُ حضورك. ومثله: " يا ويلتا " والمقصودُ التنبيهُ على خطأ المنادي، حيث ترك ما أحْوَجَهُ تركه إلى نداء هذه الأشياء. قال سيبويه - رحمه الله -: فيكون المنادى هو نفس الحَسْرَةِ، والمُرَادُ بالحَسْرَةِ النَّدَامَةُ. قال الزَّجَّاج - رحمه الله تعالى -: هذا النِّدَاءُ ينبِّهُ الناس على ما سيحصل لهم من الحَسْرَةِ، والعربُ تعبر عن تعظيم أمثال هذه الأمور باللَّفظَةِ كقوله تبارك وتعالى:{ يَـٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ } [يس:30]{ يَـٰحَسْرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ } [الزمر:56]{ يَـٰوَيْلَتَىٰ ءَأَلِدُ } [هود:72] و{ يَـٰأَسَفَىٰ } [يوسف:84] والمعنى: يا أيها النَّاس تَنَبَّهُوا على ما وَقَعَ من الأسَفِ، فوقع النداءُ على غير المنادى في الحقيقة. قوله: " عَلَىَ مَا فَرَّطْنَا " متعلّق بالحسرة و " ما " مَصْدريَّةٌ، أي: على تفريطنا، والضمير في " فيها " يجوز أن يعود على السَّاعِةِ، ولا بد من مضاف، أي في شأنها والإيمان بها، وأن يعود على الصِّفَقَةِ المتضمِّنة في قوله: { قّدْ خَسِرَ الَّذين } ، قاله الحسن، أو يعود على الحياة الدنيا، وإن لم يَجْرِ لها ذِكُرٌ لكونها مَعْلُومَةَ، قاله الزمخشري - رحمه الله تعالى -.