الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ ٱلعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ }

قوله تعالى: { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ } الآية الكريمة [الآية: 30] تَمَسَّكَ بعضُ المُشَبِّهَةِ بهذه الآية، وقال ظاهرها يَدُلُّ على أن أهل القيامة يَقِقُون عند الله - تبارك وتعالى - بالقُرْبِ منه، وذلك يَدُلُّ على أنَّهُ تبارك وتعالى [بحيث يحضر في مكان تارة، ويغيب عنه أخرى، وهذا خطاب؛ لأن ظاهر الآية يدل على أن الله تعالى] يوقفُ عليه، كما يقف أحدنا على الأرْضِ، وذلك كونه مُسْتَعْلياً على ذات الله تعالى، وأنه بَاطِلٌ بالاتِّفاق، فوجب تأويله، وهو من وجهين:

الأول: أنه من باب الحَذْفِ، تقديره: على سؤال رَبَّهِمْ أو ملك ربهم، أو جزاء ربهم، أو على ما أخبرهم به من أمر الآخرة.

الثاني: أنه من باب المَجَازِ؛ لأنه كنايةٌ عن الحَبْسِ للتوبيخ، كما يوقفُ العَبْدُ بين يَدَيْ سَيَّدِهِ ليُعَاتِبَهُ، ذكر ذلك الزمخشري، أو يكون المراد بالوقوف المَعْرِفَةَ، كما يقول الرجل لغيره: " وَقَفْتُ على كلامك " أي: عرفته، ورجَّح الزمخشري المَجَازَ على الحَذْفِ؛لأنه بدأ بالمجاز، ثم قال: وقيل وقفوا على على حزاء ربهم وللناس خلافٌ في ترجيح أحدهما على الآخر وفيه ثلاثة مذاهب:

أشهرها: ترجيح المجاز على الإضمار.

والثاني: عكسه.

والثالث: هاهنا سواء.

قوله: " قال: ألَيْسَ " في هذه الجملة وجهان:

أحدهما: أنها اسْتِفْهَاميةٌ أي: جواب سؤال مُقَدَّر، قال الزمخشري: " قال " مَرْدُودٌ على قولِ قائلٍ.

قال: ماذا قال لهم ربُّهُمْ إذْ أوقفُوا عليه؟ فقيل: قال لهم: أليس هذا بالحقِّ.

والثاني: أن تكون الجملة حَالِيَّةً، وصاحب الحال " ربُّهم " كأنه قيل: وُقِفوا عليه قَائِلاً: أليس هذا بالحقِّ؟ والمُشَارُ إليه قيل: هو ما كانوا يكذِّبون به من البَعْثِ.

وقيل: هو العَذَابُ يَدُلُّ عليه " فذوقوا العذاب ".

وقوله: " بما كنتم " يجوز أن تكون " ما " مَوْصُولةً اسميةً، والتقدير: تَكْفُرُونَهُ، والأصل: تكفرون به، فاتَّصَلَ الضمير بالفعل بعد حذف الواسطة، ولا جائز أن يُحذف، وهو مجرورٌ بحاله، وإن كان مجروراً بحرف جُرَّ بمثله الموصول لاختلافِ المتعلَّق، وقد تقدَّم إيضاحه.

والأوْلى أن تُجْعَلَ " ما " مصدريَّةً، ويكون متعلَّق الكُفْرِ محذوفاً، والتقدير: بما كنتم تكفرون بالبَعْثِ، أو بالعذاب، أي: بملاقاته, أي: بكفرهم بذلك.

فإن قيل: قد قال تبارك وتعالى:وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ } [آل عمران: 77]، وها هنا قد قال [لهم]: " أليس هذا بالحقِّ "؟ فما وَجْهُ الجمع؟.

فالجواب: لا يكلمهم بالكلام الطيب النافع.

قال ابن عباس: هذا في موقف، وقولهم:وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام: 23] في موقف آخر، والقيامةُ مواقف، في موقف يُقِرُّونَ، وفي موقف ينكرون.

قوله: { فَذُوقُواْ ٱلعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } خَصَّ لفظ الذَّوْقِ، لأنهم في كل حال يجدونه وجدانَ الذَّائقِ.