الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوكَ يُجَٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ }

قوله تعالى: { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْك }

راعى لفظ " مَنْ " فأفرد، ولو رَاعَى المعنى لجمع، كقوله في موضع آخر:وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ } [يونس:42].

وقوله: { عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ } إلى آخره، حمل على معناها قوله: " وَجَعلْنَا " " جعل " هنا يحتمل أن يكون للتَّصْييرِ، فيتعدّى لاثنين، أوَّلُهُمَا: " أكنَّه " والثاني: الجار قبله، فيتعلّق بمحذوف، أي: صيَّرنا الأكِنَّة مستقرّة على قلوبهم، ويحتمل أن يكون بمعنى " خلق " ، فيتعدى لواحد، ويكون الجار قبله حالاً فيتعلق بمحذوف؛ لأنه لو تأخر لوقع صفة لـ " أكِنَّة ".

ويحتمل أن يكون بمعنى " ألقى " فتتعلّق " على " بها, كقولك: " ألقيتُ على زيد كذا "وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي } [طه:39].

وهذه الجملة تحتمل وجهين:

أظهرهما: أنها مُسْتأنَفَةٌ سيقت للإخبار بما تضَّمنَتْهُ من الخَتْمِ على قلوبهم وسمعهم.

ويُحتمل أن تكون في مَحَلِّ نصب على الحال, والتقدير ومنهم من يستمع في حال كونه مَجْعُولاً على قلبه كنانٌ، وفي أذنه وقرٌ، فعلى الأول يكون قد عطف جملة فعلية على اسمية، وعلى الثاني: تكون الواو للحال، و " قد " مضمرة بعدها عند مَنْ يُقَدِّرَها قبل الماضي الواقع حالاً.

والأكِنَّةُ: جمع " كِنَان " ، وهو الوعَاءُ الجامع.

قال الشاعر:
2127- إذَا ما انْتَضَوْهَا فِي الوَغَى مِن أكِنَّةٍ   حَسِبْتَ بُرُوقَ الغَيْثِ تَأتِي غُيُومُهَا
وقال بعضهم: " الكِنُّ " - بالكَسْرِ - ما يُحْفَظُ فيه الشَّيء، وبالفتح المصدر. يقال: كَننْتهُ كِنّاً، أي: جعلته في كِنِّ، وجُمِعَ على " أكنان " قال تبارك وتعالى:مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً } [النحل:81].

والكِنَانُ: الغِطَاءُ السَّاتِرُ، والفعل من هذه المادة يُسْتعمل ثلاثياً ورُبَاعيَّاً، يقال: كَنَنْتُ الشَّيء، وأكنَنْتُه كنَّا وإكناناً، إلاَّ أن الراغب فَرَّق بين " فَعَلَ " و " أفْعل " ، فقال: " وخُصَّ كننت بما يستُر من بيت، أو ثوب، أو غير ذلك من الأجسام " ، قال تعالى:كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُون } [الصافات:49] وأكننت بما يستر في النفس، قال تعالى:أَوْ أَكْنَنتُمْ فِيۤ أَنْفُسِكُمْ } [البقرة:235].

ويشهد لما قال قوله:إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } [الواقعة:77-78] وقوله تعالى:مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ } [القصص:69]. و " كِنَان " يُجمع على " أكِنَّة " في القِلٌّةِ والكَثْرَةِ لتضعيفه، وذلك أن فَعالاً وفِعالاً بفتح الفاء وكسرها يُجْمَعُ في القِلَّةِ على " أفْعِلة " كـ " أحمرة " و " أقْذِلَة " ، وفي الكَثْرَةِ على فُعُل كـ " حُمُر " ، و " قُذُل " ، إلاَّ أن يكون مُضاعفاً كـ " بَتَات " و " كِنَان " ، أو معتل اللام كـ " خباء " و " قباء " ، فيلتزم جمعه على " أفْعِلَة " ، ولا يجوز على " فُعل " إلاَّ في قليلٍ من الكلام كقولهم: " عُنُن " ، و " حُجُج " في جمع " عِنان " و " حجاج ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6