الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }

لما عَلِم رسُول الله صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم وبجّل ومجّد وعظم دلائِلَ التَّوْحِيد, والردِّ على القَائِلِين بالشُّرَكَاء والأضْداد، وبالغ في تَقْرِير إثْبَات القَضَاءِ والقدر، ورد على أهل الجاهليَّة في أبَاطِيلهم أمَرَهُ - عليه الصلاة والسلام - أن يَخْتِم الكلام بقوله: { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } ، وذلك يَدُلُّ على أنَّ الهِدَايةَ لا تَحْصُل إلاَّ باللَّه - تبارك وتعالى سبحانه -.

وقال القُرطُبِيُّ - رحمه الله تعالى -: " لمّا بيَّن أنَّ الكُفَّار تفرَّقُوا، بيَّن أنَّه - تعالى - هَدَاهُ إلى الصِّراط المُسْتَقيم، وهو مِلَّة إبراهيم - عليه الصلاة وأتم التسليم - ".

قوله: " دِنياً ": نَصْبُه من أوْجُه:

أحدها: من نصب على الحال، قال قُطْرُب وقيل: إنَّه مصدر على المَعْنَى، أي: هَدَانِي هدايةَ دينٍ قيِّم، أو على إضْمَار: " عَرَّفَنِي ديناً " أو الْزَمُوا دِيناً.

وقال أبُو البقاء - رحمة الله عليه -: إنه مفعُول ثانٍ لـ " هَدَاني " وهو غَلَطٌ؛ لأنَّ المَفْعُول الثَّاني هُنَا هو المَجْرُور بـ " إلى " فاكتُفِي بِهِ.

وقال مكِّي - رحمة الله تعالى عليه -: " إنَّهُ منصُوبٌ على البدل من محلِّ إلى صِراطٍ مُسْتقيمٍ ".

وقيل: بـ " هَدَانِي " مقدِّرة لدلالة " هَدَانِي " الأوَّل عليها وهو كالذي قَبْلَه في المعنى.

قوله: " قِيماً " قرأ الكُوفيُّون، وابن عامِر: بكسر القافِ وفتح الياء خفيفة، والباقون بفَتْحِها، وكَسْر اليَاء مشدَّدة، ومعناه: القَوِيم المُسْتَقِيم، وتقدَّم تَوْجِيه إحْدى القراءتَيْن في النِّسَاءِ والمَائِدة.

قال الزَّمَخْشَري - رحمة الله عليه -: القيم: " فَيْعِل " من " قام " كسيِّد من سَادَ، وهو أبْلغُ من القَائِم.

وأمَّا قِرَاءة أهْلِ الكُوفَة فقال الزَّجَّاج - رحمة الله عليه -: هو مَصدر بمعنى: القِيَام، كالصِّغَر والكِبر والجُوع والشبع، والتَّأويل: ديناً ذا قَِيَِم، ووصف الدِّين بهذا المَصْدر مُبالغة.

قوله تعالى: " مِلَّة " بدلاً من " ديناً " أو مَنْصُوبٌ بإضْمار أعني، و " حنيفاً " قد ذكر في البقرة والنساء.

والمعنى: هداني وعرَّفَنِي ملَّة إبراهيم حال كَوْنِها موصُوفة بالحنيفيَّة، ثم وصف إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - بقوله: { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } والمقْصُود منه: الردُّ على المُشْرِكين.