الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { أَن تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَابُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ } * { أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي ٱلَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ }

قوله تعالى: { وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ } الآية.

يجُوز أن يكون " كِتَابٌ " و " انزلْنَاه " و " مُبَاركٌ " إخْبَاراً عن اسم الإشارة، عند مَنْ يُجِيزَ تعدُّدَ الخَبَر مُطْلَقاً، أو بالتَّأويل عند مَنْ لَمْ يجوِّزْ ذلك، ويجُوز أن يكُون " أنزلْنَاهُ " ، و " مُبَاركٌ ": وصْفَيْن لـ " كِتَابٌ " عند من يُجِيزَ تَقْدِيم الوَصْفِ غير الصِّريح على الوَصْفِ الصَّريح، وقد تقدم تَحْقِيقُ ذلك في السُّورة قَبْلَها، في قوله - سبحانه -:بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [المائدة:54].

قال أبو البقاء: " ولو كان قُرِئ: " مُبَاركاً " بالنَّصْب على الحالِ، لجَاز " ولا حَاجَة إلى مِثْلِ هذا، وقُدِّم الوَصْفُ بالإنْزَال؛ لأن الكلام مع مُنْكِري أنَّ اللَّهِ يُنَزِّل على البَشَر كِتَاباً، ويُرْسِلَ رَسُولاً، وأما وَصْف البَرَكَة؛ فهو أمْرٌ مُتَرَاخ عَنْهم، وجيء بصِفَة الإنْزَال بِجُمْلَة فِعْليَّة أسند الفعل فيها إلى ضَمِير المُعَظِّم نفسه مُبَالغة في ذلك، بخلافِ ما لو جيءَ بها اسْماً مُفْرداً.

والمراد بالكتاب: القُرْآن، وَوَصْفه بالبَرَكَة، أي: لا يَتَطرَّقُ إليه النَّسْخُ، كما في الكِتَابَيْن، والمُرَاد: كثير الخَيْر والنَّفْع.

{ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }.

قيل: " اتَّقُوا مُخَالفَتهُ على رَجَاء الرَّحْمة ".

وقيل: اتَّقُوا لِتُرْحَمُوا، أي: ليكون الغَرَضُ بالتَّقْوَى، رَحْمَه الله - تعالى -.

قوله: " أن تَقُولُوا " فيه وجهان:

أحدهما: أنه مَفْعُول من أجله.

قال أبو حيَّان: " والعَامِلُ فيه " أنْزَلْنَاهُ " مقدّراً، مَدْلُولاً عليه بنَفْس " أنْزَلْنَاهُ " المَلْفُوظِ به، تقديرُه: أنْزَلْنَاه أن تقولوا ".

قال: " ولا جائز أن يعمل فيه " أنْزَلْنَاهُ " الملفوظ به؛ لئلا يلزم الفصل بين العَامِل ومَعْمُولهِ بأجْنَبِيٍّ، وذلك أنَّ مُباركٌ ": إمَّا صِفَةٌ، وإما خبرٌ، وهو أجنبيٌّ بكل من التقديرين " وهذا الذي منَعَه هو ظَاهِرُ قول الكسائِّي، والفرَّاء.

والثاني: أنَّها مَفْعُول به، والعاملُ فيه: " واتَّقُوا " أي: واتَّقُوا قولكم كَيْتَ وكَيْتَ، وقوله: " لَعَلُّكم تُرْحَمُون " معترضٌ جارٍ مُجْرى التَّعْلِيل، وعلى كَوْنِه مَفْعُولاً من أجْلِه، يكون تقديره عند البصريِّين على حَذْفِ مُضافٍ، تقديرُه: كراهة أن تَقُولُوا، وعند الكوفيِّين يكون تقديره: " ألاَّ يَقُولُوا ".

قال الكسائيُّ, والفرَّاء: والتقدير: أنزَلْنَاهُ لئلا تَقُولُوا، ثم حذف الجارَّ، وحَرْف النَّهْي، كقوله - تبارك وتعالى -:يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } [النساء:176] وكقوله:رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } [النحل:15] أي: ألاَّ تَمِيد بِكُم، وهذا مُطَّرِد عِنْدَهُم في هذا النَّحْو، وقد تقدَّم ذلك مراراً.

وقرأ الجمهور: " تَقُولُوا " بتاء الخطاب، وقرأ ابن مُحَيْصِن: " يَقُولوا ": بياء الغَيْبَة، ومعنى الآية الكريمة، كراهة أن يقول أهْلُ مكَّة: أنزل الكتاب، وهو التُّوْراة، والإنْجِيل على طَائِفَتَيْن من قَبْلِنا، وهُمْ اليَهُود والنَّصَارى.

السابقالتالي
2 3