الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ }

أصل " ثُمَّ ": المُهلة في الزمان، وقد تأتي للمُهْلة في الإخبار.

وقال الزَّجَّاج: وهو مَعْطُوف على " أتْلُ " تقديره: أتْلُ ما حرَّم ثم أتْلُ ما آتيْنَا.

وقيل: هو مَعْطُوف على " قَلْ " أي: على إضْمَار قل، أي: ثم قل: آتينا.

وقيل: تقديره: ثم أخْبِرُكم آتَيْنا.

وقال الزمخشري: عطف على وصَّاكُم به قال: فإن قلت: كيف صَحَّ عطفه عليه بـ " ثم " ، والإيتَاء قبل التَّوْصِيَة به بِدَهْر طَويلٍ؟

قال شهاب الدين: هذه التَّوصية قديمة لم يَزلْ تتواصاها كل أمَّةٍ على لسان نبيِّها، فكأنه قيل: ذلك وَصَّاكُم به يا بَنِي آدَمَ قَديماً وحَديثاً، ثم أعْظَم من ذَلِك أنَّا آتَيْنَا موسى الكِتَاب.

وقيل: هو مَعْطُوف على ما تقدَّم قبل شَطْر السورة من قوله:وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ } [الأنعام:84].

وقال ابن عطية - رحمه الله تعالى -: " مهلتها في تَرْتَيب القَوْلِ الذي أمر به محمَّد صلى الله عليه وسلم كأنَّه قال: ثم مِمَّا وصِّيْنَاه أنا أتَيْنَا مُوسى الكتاب، ويدعو إلى ذلك أن موسى - عليه السلام - مُتقدِّم بالزمان على محمَّد - عليه الصلاة والسلام - ".

وقال ابن القُشَيْرِي: " في الكلام حذف, تقديره: ثم كُنَّا قد آتينا موسى الكتاب قبل إنزالِنَا القُرْآن العَظِيم على محمَّد - عليه الصلاة والسلام - ".

وقال أبُو حيَّان: " والذي ينبغي أن يُسْتَعْمَل للعَطْفِ كالواو من غير اعتِبَار مُهْلَةٍ، وبذلك قال [بَعْض] النَّحْويِّين ".

قال شهاب الدّين: وهذه استراحة، وأيضاً لا يلزم من انتفاء المهلة انتفاء الترتيب فكان ينبغي أن يقول من غير اعتبار ترتيب ولا مهلة على أن الفرض في هذه الآية عدم الترتيب في الزمان.

قوله: " تَمَاماً " يجوز فيه خَمْسَة أوْجُه:

أحدها: أنَّه مفعول من أجْلِهِ، أي: لأجْل تمامِ نِعْمَتِنَا.

الثاني: أنَّه حالٌ من الكِتَاب، أي: حَالَ كَوْنه تَمَاماً.

الثالث: أنَّه نَصْب على المصدرِ؛ لأنَّه بمعنى: آتيناهُ إيتاء تمامٍ، لا نقصان.

الرابع: أنه حالٌ من الفاعل، أي: مُتِمِّين.

الخامس: أنَّه مصدرٌ مَنْصُوب بفِعْل مُقَدَّر من لفظه، ويكون مصدراً على حَذْف الزَّوائِد، والتقدير: أتَمَمْنَاهُ إتْمَاماً، و " على الذي " مُتعلِّق بـ " تماماً " أو بمحذُوف على أنَّه صِفَة، هذا إذا لم يُجْعَلْ مصدراً مؤكَّداً، فإن جُعِلَ، تعيِّن جعلُه صِفَة.

و " أحسن " فيه وجهان:

أظهرهما: أنه فِعْلٌ ماضٍ واقعٌ صلةً للموصول، وفاعله مُضْمَرٌ يعود على مُوسى - عليه الصلاة والسلام - أي: تماماً على الذي أحْسَن؛ فيكون الذي عبارةٌ عن مُوسَى.

وقال أبو عبيدة: على كُلِّ من أحْسَن، أي: أتممنا فَضِيلَة مُوسَى - عليه الصلاة والسلام - بالكتاب على المُحْسِنين أي: أظهرنا فضله عليهم.

السابقالتالي
2