الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

قوله: " وأنَّ هَذَا " قرأ الأخوان: بكَسْر " إنّ " على الاسْتِئْنَاف أو يكون " أتل " بمعنى: أقول إن هذا، و " فاتبعوه ": جملة معطوفة على الجُمْلَة قَبْلَها. وهذه الجملة الاستِئْنَافِيَّة تفيد التَّعْلِيل لقوله: " فاتَّبِعُوه " ، ولذلك اسْتَشْهَد بها الزَّمَخْشَري على ذلك كما تقدَّم، فعلى هذا يَكُون الكلام في الفاء في " فاتَّبِعُوهُ " كالكلام فِيهَا في قِرَاءة غيرها، وستأتي.

وقرأ بان عامر: " وأنْ " بفتح الهمزة وتخفيف النون، والباقون بالفتح أيضاً والتَّشْدِيد.

فأمَّا قرءاة الجماعة ففيها أربعة وُجُوه:

أحدها - وهو الظَّاهِر -: أنها في محلِّ نصب نسقاً على ما حرَّم، أي: أتْل ما حرَّم، وأتل أنْ هذا صِرَاطي مُسْتَقِيماً، والمراد بالمُتَكَلِّم النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صِرَاطَه صِرَاط اللَّه - عز وجل -، وهذا قول الفرَّاء - قال: " بفَتْح " أنْ " مع وُقُوع " أتْل " عليها، يعني: أتْلُ عليْكم أنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً ".

والثاني: أنها مَنْصُوبة المحلِّ أيضاً نَسَقاً على " ألاَّ تُشْرِكُوا " إذا قُلْنَا بأنَّ " أنْ " المصدريَّة " وأنَّها وما بعدها بدل من " ما حرَّم " قاله الحُوفِيُّ.

الثالث: أنها على إسْقَاطِ حَرْف لام العِلَّة، أي: ولأن هذا صِرَاطي مستَقيماً فاتبعوه؛ كقوله - تعالى -:وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً } [الجن:18].

قال أبو عَلِيّ: من فتح " أنَّ " فَقِيَاس قول سبيويه - رحمه الله تعالى - أنه حملها على " فاتِّبِعُوه " والتقدير: ولأن هذا صِرَاطي مُسْتَقيِماً فاتِّبِعُوه؛ كقوله:وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } [المؤمنون:52].

قال سيبويه: " ولأنَّ هَذِه أمَّتُكُم " وقال في قوله - تعالى -: " وَأَنَّ المساجِدَ لِلَّه ": ولأنَّ المَسَاجِد.

قال بعضهم: " وقد صرَّح بهذا اللام في نَظِيره هذا التَّرْكيب؛ كقوله - تعالى -:لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُواْ } [قريش:1-3] والفاء على هذا كَهيِ في قولك: زيداً فَاضِرب، وبزيد فَامْرُر، وتقدم تَقْرِيره في البقرة.

قال الفَارسِي: قِيَاس قوله سيبويه في فتح الهَمْزَة أن تكُون الفَاء زَائِدة كَهِي في " زَيْد فقَائم ".

قال شهاب الدِّين - رحمه الله تعالى -: " سيبويه لا يَجُوِّز زيادَتَها في مِثْل هذا الخَبَر، وإنما أرادَ أبُو عَلِيِّ بنظيرها في مُجَرَّد الزِّيَادة وإن لم يَقُل به، بل قال به غَيْره ".

والرابع: أنها في محلِّ جرِّ نسقاً على الضَّمِير المَجْرُور في " بِهِ " أي: { ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ } وبأنَّ هذا هو قول الفراء أيضاً. وردّه أبو البقاء بوجْهَيْن:

أحدهما: العَطْف على الضَّمِير المَجْرُور من غَيْر إعادة الجارَّ.

الثاني: أنه يَصِير المَعْنى: وصَّاكُم باسْتِقَامة الصِّراط، وهذا فاسد.

السابقالتالي
2 3