الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذٰلِكَ جَزَيْنَٰهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَٰدِقُونَ } * { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ }

قوله تعالى: { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً } الآيات.

لمَّا بيَّن فساد طريقة أهْل الجاهليَّة فيما يُحَلُّ ويُحَرَّم من المطعُومَات - أتْبَعهُ بالبيان الصَّحِيح.

رُوِي أنهم قالوا: فما المُحَرَّمُ إذن؟ فنزل: قل يا محمد: { لا أجِدُ في ما أوحِي إليَّ } شيئاً { مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُه } أي: آكِل يَأكُلُه.

قوله: " مُحَرَّماً " منصوب بقوله: " لا أجِدُ " وهو صِفَة لمَوْصُوف محذوف؛ حذف لدلال قوله: " على طَاعِم يَطْعَمُهُ " ، والتقدير: لا أجد طعاماً مُحَرَّماً، و " عَلَى طَاعِمٍ " متعلِّق بـ " مُحَرَّماً " ، و " يَطْعَمُهُ " في محل جرِّ صِفَة لـ " طَاعِم ".

وقرأ الباقر ونقلها مكيِّ عن أبي جَعْفَر -: " يَطَّعِمُهُ " بتشديد الطَّاءِ، وأصلها " يتطعمه " افتعال من الطعم، فأبدلت التاء طاءً لوقوعها بعد طاء للتقارب، فوجب الإدغام.

وقرأت عائشة، ومحمَّد بن الحَنَفِيَّة، وأصحاب عَبْد اللَّه بن مَسْعُود رضي الله عنهم: " تَطَعَّمه " بالتاء من فَوْق وتشديد العَيْن فعلاً مَاضِياً.

قوله: { إِلاَّ أنْ يَكُونَ } مَنْصُوب على الاسْتِثْنَاء، وفيه وجهان:

أحدهما: أنه مُتَّصِل. قال أبو البقاء: " استثناء من الجنْس، وموضعُه نَصْب، أي: لا أجد مُحَرَّماً إلا المَيْتَة ".

والثاني: أنه مُنْقَطِع، قال مكِّي: " وأن يكُون في مَوْضِع نَصْب على الاستِثْناء المُنْقَطع ".

وقال أبو حيان: و { إلاَّ أنْ يَكُونَ } استثناء مُنْقَطِع؛ دلائله كَوْن، وما قَبْلَه عين، ويَجُوز أنْ يكُون مَوْضِعُه نَصْباً بدلاً على لُغَة تَمِيم، ونَصْباً على الاستثناء على لُغَة الحِجَاز، يعني أن الآستِثْنَاء المُنْقَطِع في لُغَتان:

إحداهما: لغة الحِجَاز، وهو وُجُوب النَّصْبِ مطلقاً.

وثانيتهما: لغة التَّمِيمِيِّين - يجعلونه كالمُتَّصِل، فإن كان في الكلامِ نَفْيٌ أو شبْهُه، رُجِّح البدل، وهُنَا الكلام نَفْيٌ فيترَجَّحُ نَصْبُه عند التَّمِيميِّين على البدل، دُون النَّصْب على الاستِثْنَاء؛ فنصْبه من وَجْهَيْن، وأمَّا الحِجَاز: فنصبه عِنْدَهم من وجْهٍ وَاحِد، وظاهِر كلام أبي القَاسِم الزَّمَخْشَريِّ أنه مُتَّصِل؛ فإنه قال: " مُحَرَّماً " أي: طعَاماً مُحَرَّماً من المطاعِم التي حَرَّمْتُمُوهَا إلاَّ أن يكُون مَيْتَة، أي: إلاَّ أن يكون الشَّيء المُحَرَّم مَيْتة.

وقرأ ابن عامر في روايةٍ: " أوحَى " بفتح الهمزة والحَاءِ مبنيا للفَاعِل؛ وقوله تعالى: { قُل ءَآلذَّكَرَيْنِ } وقوله: " نَبِّئُونِي " ، وقوله أيضاً: " آلذّ‍كَرَيْن " ثانياً، وقوله: { أمْ كُنْتُم شُهْدَاءَ } جمل اعْتِرَاض بين المَعْدُودَات الَّتِي وَقَعت تَفْصِيلاً لِثَمانِيَة أزْواج.

قال الزَّمَخْشَرِيُّ: " فإن قُلْت: كيف فَصَل بين المَعْدُود وبين بَعْضِه ولم يُوَالِ بَيْنَه؟.

قلت: قد وقع الفَاصِل بَيْنَهُما اعْتِرَاضاً غير أجْنَبيِّ من المَعْدُود؛ وذلك أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - مَنَّ على عِبَاده بإنْشَاء الأنْعام لمَنَافِعِهم وبإياحتها لَهُم، فاعترض بالاحْتِجَاج على مَنْ حَرَّمها، والاحْتِجَاجُ على مَنْ حَرَّمَها تأكيدٌ وتَشديدٌ للتَّحْلِيل, والاعْتِراضَات في الكلامِ لا تُسَاقُ إلا للتَّوْكِيد ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد