الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ } * { وَمِنَ ٱلإِبْلِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنْثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ }

قوله تعالى: { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاج } في نصبه ستة أوجه:

أحسنها: أن يكُون بدلاً من " حمولة وفَرْشاً " لولا ما نَقَله الزَّجَّاج من الإجماع المُتقدِّم، ولكن ليس فيه أنَّ ذلك مَحْصُور في الإبل، والقَوْل بالبدلِ هو قَوْل الزَّجَّاج والفرَّاء.

والثاني: أنه مَنْصُوب بـ " كُلُوا " الذي قَبْلَه أي: كُلُوا ثمانية أزْوَاج، ويكون قوله - تعالى -: { وَلاَ تَتَّبِعُوا } إلى آخره كالمُعَتَرِض بين الفِعْل ومَنْصُوبه، وهو قول عَلِيّ بن سُلَيْمَان وقدَّرَه: كُلُوا لَحْم ثَمَانِية.

وقال أبو البَقَاء - رحمه الله -: هو مَنْصُوب بـ " كُلُوا " تقديره:كلوا مِمَّا رزقَكُم اللَّه ثمانية أزْوَاج، " ولا تسرفوا " مُعْتَرِض بَيْنَهُما.

قال شهاب الدَّين: صوابه أن يقول: " ولا تَتَّبعُوا " بدل " ولا تُسْرفُوا "؛ لأن " كُلُوا " - الذي يَلِيه " ولا تُسْرِفوا " - ليس مُنْصَبًّا على هذا؛ لأنه بعيد منه، ولأن بَعْده ما هو أوْلَى منه بالعمل، ويحتمل أن يَكُون الناسخ غَلَط عَلَيْه، وإنما قال هو: " ولا تَتَّبِعُوا "؛ ويدل على ذلك أنه قال: " تقديره: كُلُوا ممَّا رَزَقكُم اللَّه " و " كُلُوا " الأوَّل ليس بَعْدَه " ممَّا رَزقكُم " ، إنما هو بَعْد الثَّاني.

الثالث: أنه عَطْف على " جَنَّاتٍ " أي: أنْشَأ جنات وأنْشَأ ثَمَانِية أزْوَاج، ثم حُذِفَ الفِعْل وحَرْف العَطْفِ؛ وهو مذهب الكسَائِيّ.

قال أبو البقاء: " وهو ضعيف ".

قال شهاب الدين: الأمْر كذلك وقد سُمِع ذلك في كلامهم نَثْراً ونَظْماً: ففي النثر قوله: " أكلتُ لَحْماً سمَكاً تَمْراً " وفي نَظْمِهِم قول الشاعر: [الخفيف]
2362- كَيْفَ أصْبحْتَ كَيْف أمْسَيْتَ مِمَّا   يَزْرَعُ الوُدَّ في فُؤادِ الكَرِيمِ
أي: أكلت لَحْماً وسمكاً وتمراً، وكيف أصْبَحْت وكيف أمْسَيْت، وهذا على أحَدِ القولين في ذلك.

والقول الثاني: أنه بدل بداء؛ ومنه الحديث: " إنَّ الرَّجُلَ لَيصَلِّي الصَّلاة، وما كُتِبَ له نِصْفُهَا ثلثُهَا رُبْعُها " إلى أنْ وَصَلَ إلى العُشْرِ.

الرابع: أنه مَنْصُوبٌ بفعل مَحْذُوفٍ مدلول عليه بما في اللَّفْظِ، تقديره: كُلُوا ثمانية أزْوَاج؛ وهذا أضْعَفُ مما قبله.

الخامس: أنه مَنْصُوب على الحالِ، تقديره: مُخْتَلفة أو متعدِّدَة، وصاحب الحال: " الأنْعَام " فالعَامِل في الحال ما تعلَّق به الجَارُّ وهو " مِنْ "

السادس: أنه مَنْصُوب على البدل من محلِّ " مِمَّا رَزَقَكُم اللَّه ".

فصل في بيان كلمة " زَوْج "

الوَاحِد إذا كان وْحده فهو فَرْد، وإذا كان مَعَهُ غيره من جِنْسِه سُمِّي زَوْجاً وهما زَوْجَانح قال - تعالى -:خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } [النجم:45] وقال: " ثمانِيَة أزْوَاج " ثم فَسَّرها بقوله: " من الضَّأنِ اثْنَيْنِ ومِن المَعْزِ اثْنَيْنِ ومِنَ البَقَرِ اثْنَيْنِ ".

السابقالتالي
2 3 4 5