الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلأَنْعَٰمِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }

قوله - تعالى - { حَمُولَةً وَفَرْشاً } مَنْصُوبان على أنَّهُما نُسِقَا على " جَنَّاتِ " أي: وأنشأ من الأنْعام حَمُولَة، و " الأنْعَام " قيل: هي من الإبل خَاصَّة، وقيل: الإبل والبَقَر والغَنَم.

وقيل: ما أحَلَّه الله - تعالى - من الحيوانِ؛ قاله أحمد بن يَحْيَى، قال القُرْطُبيُّ: وهذا أصَحُّهَا.

وقال القُرْطُبِي: فَعُوله بفتح الفَاءِ، إذَا كانت بمعنى الفَاعِل اسْتَوى فيها المُذَكَّر والمؤنَّث؛ نحو قولك: رَجُل فَرُوقَه للجَبَان والخَائِفِ، ورجل صَرُورَة وامرأة صرورة إذا لم يَحُجَّا؛ ولا جَمْع له فإذا كانت بِمَعْنَى المَفْعُول, فرق بين المُذَكَّر والمؤنَّث بالهَاءِ، كالحَلُوبة والرَّكُوبة، والحَمُولة بضم الحاءِ: أحْمَال وأما الحُمُول: بالضَّمِّ بغير هاء فهي الإبل الَّتِي عليه الهَوَادِجُ كان فيها نِساءٌ أو لم يَكُنِّ؛ قاله أبو زَيْد.

والحَمُولة: ما أطَاق الحمل عَلَيْه من الإبل, والفَرْش: صِغَارها هذا هو المشْهُور في اللُّغَة.

وقيل الحَمُولة: كبارُ الأنْعَام، أعني: الإبل والبَقَر والغَنَم، والفَرْشُ: صغارها قال: " ويدُلُ له أنَّهُ أبدل منه قوله بعد ذلك: " ثَمَانِيَة أزْوَاجٍ من الضَّأنِ " كما سيأتيِ لأنها دَانِية من الأرْض بسبب صغَر أجْرَامِها مثل الفَرْشِ وهي الأرْض المَفْرُوشُ عليها ".

وقال الزَّجَّاج: أجمع أهْل اللُّغَة على أنّ الفَرْشَ صِغَار الإبل، وأنشد القَائِل: [الرجز]
1257- أوْرَثَنِي حَمُولَةً وَفَرْشَا   أمُشُّهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَشَّا
وقال الآخر: [الرمل]
2358- وَحَوَيْنَا الفَرْشَ مِنْ أنْعَامِكُمْ   والحَمُولاتِ وَربَّاتِ الحِجَالْ
قال أبو زَيْد: " يحتمل أن يكون سُمِّيَتْ بالمَصْدَر؛ لأن الفَرْشَ في الأصْل مصدر " والفَرْش لفظ مُشْتَرك بين مَعَانِ كثيرة: منها ما تقدَّم، ومنها: مَتَاع البَيْت والفَضَاء الوَاسِع، واتِّسَاع خُفِّ البَعير قليلاً، والأرْض الملساء، عن أبي عَمْرو بن العَلاء، ونباتٌ يلْتَصِق بالأرْضِ، ومنه قول الشاعر: [الرجز]
2359- كَمِشْفَرِ النَّابِ تلُوكُ الفَرْشَا   
وقيل الحَمُولة: كل ما حُمِل عليه من إبل وبَقَر وبَغْل وحِمَار.

والفَرْشُ هنا: ما اتُّخِذَ من صُوفه ووبَرِه وشَعْرِه ما يُفْتَرشُ، وأنشدوا للنَّابعة: [الطويل]
2360- وَحَلَّتْ بُيُوتِي فِي يَفَاعٍ مُمَنَّعٍ   تَخَالُ بِهِ رَاعِي الحَمُولَةِ طَائِرا
وقال عنترة: [الكامل]
2361- مَا رَاعَنِي إلاَّ حَمُولَةُ أهْلِهَا   وَسْطَ الدِّيار تَسَفُّ حَبَّ الخِمْخِمِ
قوله: { كُلُوا ممَّا رزَقُكم اللَّه } يريد: ما أحَلَّها لكم.

قالت المعتزلة: إنه - تبارك وتعالى - أمر بأكْل الرِّزْقِ، ومنع من أكل الحَرامِ ينتج أن الرِّزْق ليس بَحَرَام.

ثم قال - تعالى -: { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَان } أي: التَّحْلِيل والتَّحريم من عِنْد أنْفُسكُم، كما فعله أهْل الجَاهِليَّة، أي: لا تَسْلكُوا طرائق الشَّيْطَان وأبان { إنه لَكُم عَدُوٌّ مُبِينٌ } أي: بيَّن العداوة أخرج آدم من الجنَّة، وقوله:لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً } [الإسراء:62].

قال الزجاج: في خُطُوات الشَّيْطَانِ ثلاثة أوجُه: ضم الطاء، وفتحها، وإسْكَانها.