الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَٰجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ }

هذا نوع رَابعٌ من قضَايَاهُم الفَاسِدَة.

قال ابن عبَّاس، وقتادة والشعبي: أراد أجنَّة البَحَائِر والسَّوَائِب، فما وُلِد منها حَيًّا، فهو خَالِصٌ للرِّجَال دون النِّسَاء، وما وُلِد منها مَيِّتاً، أكله الرِّجَال والنِّسَاء جميعاً.

والجمهور على " خَالِصَة " بالتَّأنيث مَرْفُوعاً على أنه خَبَرَ " مَا " الموصُولة، والتَّأنيث: إمَّا حَمْلاً على المَعْنَى؛ لأن الذي في بُطُونِ الأنْعَام أنْعَامٌ، ثم حمل على لَفْظِها في قوله: " ومُحَرَّمٌ " وإمَّا لأنَّ التَّأنِيث للمُبالغة كهو في " عَلاَّمَة " و " نسَّابَة و " رَاوِيَة " و " الخاصَّة " و " العامَّة " وإما لأنَّ " خَالِصَة " مصْدَر على وَزْنَ " فَاعِلة " كالعَاقِبة والعَافِية؛ وقال - تبارك وتعالى -:بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ } [ص:46] وهذا القَوْل قول الفرَّاء والأوَّل لَهُ ولأبِي إسْحاق الزَّجَّاج، والثاني للكسَائِي، وإذا قيل: إنها مَصْدرٌ كان ذلِك على حَذْف مُضَافٍ، أي: ذُو خُلُوصٍ، أو على المُبَالَغَة، أو على وقُوعِ المصدر مَوْقِع اسْمِ الفاعِل؛ كَنَظَائِره كقول الشاعر:
2355- وَكُنْتِ أمنِيَّتِي وَكُنْتِ خَالِصَتِي   وَلَيْسَ كلُّ امْرِىءٍ بِمُؤتَمَنِ
قال الكسائي: خَالِص وخَالِصَة واحد، مثل وَعْظ ومَوْعِظَة.

وهو مستفيض في لسانهم: فلان خَالِصَتي، أي: ذُو خُلُوصي.

و " لِذُكرونا " مُتعلِّق به، ويجوز أن يتعلَّق بمحذُوف على أنَّه وَصْف لـ " خَالِصَة " ، وليس بالقَوِيّ.

وقرأ عبد الله وابن جُبَيْر، وأبُو العالية والضَّحَّاك، وابن أبي عَبْلَة: " خَالِصٌ " مَرْفُوعاً على ما تقدَّم من غير هَاءِ، و " لِذُكُورِنَا " متعلِّق به، أو بمَحْذُوف كما تقدَّم، وقرأ ابن جُبَيْر، نقله عنه ابن جنِّي: " خَالِصاً " نصباً من غير تَاءِ، ونصبه على الحَالِ وفي صاحبه وجهان:

أظهرهما: أنه الضَّمَير المستتر في الصِّلة.

الثاني: أنه الضَّمِير المسْتَتِر في " لِذُكُورِنَا " فإن " لِذُكُورنَا " على هذه القراءة خَبَر المُبْتَدأ، وهذا إنَّما يَجُوز على مَذْهَب أبِي الحَسَن؛ لأنه يُجِيزُ تَقْدِيم الحال على عَامِلهِا المَعْنَوِيّ، نحو: " زيْدٌ مستَقِرٌّ في الدَّارِ " والجمهور يَمْنَعُونَه، وقد تقدَّم تحقيقُهُ.

وقرأ ابن عباس أيْضَاً والأعرج، وقتادة: " خَالِصَةً " نصباً بالتَّأنيث، والكلام في نصْبِه وتأنِيثِه كما تقدَّم في نَظِيره، وخرَّجه الزمخشري على أنه مَصْدَر مُؤكِّد كالعَاقِبَة.

وقرأ ابن عبَّاس أيضاً، وأبُو رَزِين، وعِكْرمة، وأبو حَيْوة: " خَالِصة " برَفْع " خالص " مُضَافَاً إلى ضَمِير " مَا " , ورفعُه على أحد وجهين:

إما على البدل من الموصُول، بدل بَعْضَ من كُلِّ، و " لِذُكُورِنَا " خبر المَوْصُول.

وإما على أنَّه مُبْتَدأ، و " لذكُورِنَا " خبره، والجُمْلة خبر الموصُول، وقد عَرَفْتَ ممَّا تقدَّم أنه حَيْثَ قُلْنَا: إن " خَالِصَةً " مصدر أو هي للمُبَالغَة، فليس في الكلام حَمْل على مَعْنَى ثم على لَفْظ، وإن قلنا: إن التَّأنيث فيها لأجْل تَأنيثِ ما فِي البُطُونِ، كان في الكلام الحَمْلُ على المَعْنَى أوَّلاً [ثم على اللَّفْظ في قوله: " مُحَرَّمٌ " ثانياً، وليس لِذَلك في القُرْآنَ نَظِير، أعني: الحَمْل على المَعْنَى أوّلاً] ثم على اللَّفْظِ ثانياً، إلاَّ أن مَكِّياً زعم في غَيْر إعْراب القُرْآن الكَرِيم، له: أنَّ لِهَذِه الآيَةِ نظائِر فذكرها وأما في إعرابه: فلم يَذْكُر أنَّ غيرها في القُرْآن شَارَكها في ذلك؛ فقال في إعرابه: " وإنَّما أنَّثَ الخَبَر؛ لأن مَا فِي بُطُون الأنْعَام أنْعَام؛ فحمل التأنيث على المَعْنَى، ثم قال: " ومُحَرَّم " فذكَّر حَمْلاً على لَفْظِ " مَا " وهذا نَادِر لا نَظِير له، وإنَّما يَأتِي في " مَنْ " و " مَا " حَمْل الكلام أوَّلاً على اللَّفْظِ ثم على المَعْنَى بعد ذلك، فاعرفه فإنه قَلِيلٌ ".

السابقالتالي
2 3 4