الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَٰمٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَٰمٌ لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا ٱفْتِرَآءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

وهذا نوع ثَالِثٌ من أحْكَامِهم الفَاسِدَةِ،و هو أنَّهُم قسموا أنْعَامهم اقْسَاماً:

فأولها: قولهم: هذه أنْعَام وحرْثٌ حِجْر " لا يَطْعَمُها ".

قرأ الجمهور " أنْعَام " بصِيغَة الجَمْعِ وأبان بن عثمان " نَعَمٌ " بالإفْرَاد، وهو قَرِيبٌ لأن اسْم الجِنْسِ يقُوم مقام الجَمْعِ، وقرأ الجمهور: " حِجْر " بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم.

وقرأ الحسن وقتادة والأعْرَج: بضم الحَاءِ وسُكُون الجيم.

ونقل عن الحسن وقتادة أيضاً: فتح الحَاءِ وسكون الجيمِ، ونقل عن أبان بن عُثْمَان: ضمُّ الحاء الجيم معاً.

وقال هَارُون: كان الحسن يَضُمَّ الحاء من " حِجْر " حيث وقع في القُرْآن إلاَّ موضعاً واحداً [وهو]:وَحِجْراً مَّحْجُوراً } [الفرقان:53]

والحاصل: أن هذه المادَّة تدل على المَنْع والحَصْر؛ ومنه: فلان في حِجْر القَاضِي أي: في مَنْعِه، وفي حِجْري، أي: ما يَمْنَع من الثُّوْب أن ينْفَلِت منه شَيْءٌ، وقد تقدم تَحْقِيق ذلك في النِّسَاء.

فقوله: " وحَرْث حِجْر " أي: مَمْنُوع فـ " فِعْل " بمعنى مَفْعُول؛ كالذَّبْح والنَّطْح بمعنى مَذْبُوح ومَنْطُوح.

فإن قيل: قد تقدَّم شيئان: وهما أنْعَام وحَرْث، وجيء بالصِّفَة مفردة.

فالجواب: أنه في الأصْلِ مصْدّرٌ, والمصدر يُذكَّر ويُوحَّد مطلقاً.

قال الزَّمَخْشَري: " ويستوي في الوَصْف به المذكَّر والمؤنَّث والواحد والجمع؛ لأن حكمه حكم الأسْمَاء غير الصِّفاتِ " يعني بكونه حُكْمُه حكم الأسْمَاء: أنه في الأصْل مصْدَر لا صِفَة، فالاسم هنا يُرَادُ به المَصْدَر، وهومُقَابِلُ الصِّفة.

وأما بقية القراءات: فقال أبُو البقاء: " إنها لُغَاتٌ في الكَلِمَةِ " وفسر معناها بالممْنُوع.

قال شهاب الدين: ويجوز أن يكُون المَضْمُوم الحاء والجيم مَصْدراً، وقد جاء من المصادر للثُّلاثي ما هُو عل وَزْن " فُعُل " بضمِّ الفاء والعَيْن، نحو حُلُم، ويجُوز أن يكون جَمْع " حَجْر " بفتح الحاءِ وسكون الجيم، و " فُعُل " قد جاء قَلِيلاً جمعاً " لفَعْل " نحو: سَقْف وسُقُف، ورَهْن ورُهُن، وأن يكون جَمْعاً لـ " فِعْل " بكسر الفاء، و " فُعُل " أيضاً قد جَاء جمعاً " لفِعْل " بكسر الفاءِ وسُكُون العين، حو: حِدْج وحُدُج، وأما حُجْر بضمِّ الحاء وسُكُون الجيم: فهو مخَفَّفٌ من المضمُومة، فيجوز أن يكُون مصدراً وأن يكون جَمْعاً لحَجْر أو حِجْر.

وقرأ أبَيّ بن كَعْب، وعبد الله بن العبَّاس، وعبد الله بن مسعود، وعبد اللَّه بن الزُّبَيْر، وعِكْرِمَة، وعمرو بن دِينَار، والأعمش: حِرج بكسْر الحاَء وراء سَاكِنَة مقدَّمة على الجيم، وفيها تأويلان:

أحدهما: أنَّهَا من مادة الحَرَج وهُو التَّضْييق.

قال أبو البقاء: وأصلُه " حَرِج " بفتح الحاء وكسر الراء، ولكنه خُفِّف ونُقِل؛ مثل فَخْذ في فَخِذ.

قال شهاب الدِّين: ولا حَاجَة إلى ادِّعَاء ذلك، بل هذا جَاءَ بطَريق الأصَالة على وَزْن فِعْل.

السابقالتالي
2