الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَٰمِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ }

لما بيَّن قُبح طريقهم في إنْكَار البَعْثِ، ذكر بعْده أنواعاً من جهالتِهم؛ تنبيهاً على ضَعْفِ عُقُولهم وتَنْفِيراً للعُقلاء عن الالْتِفَات إلى كَلِمَاتِهِم، فمن جملتها أن يَجْعَلُوا لله من حَرْثِهِم ومن أنْعَامِهِم نَصِيباً.

و " جَعَل " هنا بمعنى " صيَّر " فيتعدَّى لاثْنَيْن: أولهما: " نَصِيباً " ، والثاني: قوله " لِلَّه " و " ممَّا ذَرَأ " يجُوز أن يتعلَّق بـ " الجَعْل " وأن يتعلَّق بمحذُوف؛ لأنه كان في الأصْلِ صِفَة لـ " نَصِيباً " فلما قُدِّم عليه انْتَصب حالاً، والتقدير: وجَعَلُوا نصيباً ممَّا ذَرَأ [اللَّه] و " مِنْ الحَرْثِ " يجُوز أن يكُون بدلاً " ممَّا ذَرَأ " بإعادة العَامِل؛ كأنه قيل وجعلُوا لِلَّه من الحَرْث والأنْعَام نَصِيباً، ويجُوز أن يتعلَّق بـ " ذَرَأ " وأن يتعلَّق بمَحْذُوفٍ على أنه حال: إمَّا من " مَا " الموصُولة، وأو مِنْ عَائِدِها المحْذُوف، وفي الكلام حَذْف مَفْعُول اقْتَضَاه [التقْسِيم]، والتقدير: وجَعَلُوا للَّه نَصيباً من كذا، ولشُركَائِهِم نَصيباً منه يدلُّ عليه ما بَعْدَه من قوله: { فَقَالُواْ هَـٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا } [و " هذا لِلَّه " جملة مَنْصُوبة المَحَلِّ بالقولِ، وكذلك قوله: " وهَذَا لِشُرَكَائِنَا " ] وقوله: " بزَعْمِهِم " فيه وجهان:

أحدهما: أن يتعلَّق بـ " قَالُوا " أي: فقالُوا ذلك القَوْل بزَعْم لا بيقينٍ واسْتِبْصَار.

وقيل: هو متعلِّق بما تعلَّق به الاسْتِقْرَار من قوله: " لِلَّهِ ".

وقرأ العامَّة بفتح الزَّاي من " زَعْمِهِم " في الموْضِعَيْن، وهذه لغة الحِجَازِ وهي الفُصْحَى، وقرأ الكَسَائيّ: " بِزُعْمِهِم " بالضَّمِّ وهو لُغة بني أسَد، وهل الفَتْح والضَّمُّ بمعْنًى واحد، أو المفْتُوح مَصْدَر والمضْمُوم اسْم؟ خلاف مشهور.

وقرأ ابن أبي عبلة " بزعَمِهِم " بفتح الزَّاي والعين.

وفيه لُغَةٌ رابِعَةٌ لبعض قَيْس، وبني تَميم وهي كَسْر الزَّاي، ولم يُقْرأ بِهَذِه اللُّغة فيما علمنا، وقد تقدَّم تَحْقِيقُ " الزَّعْم " [في النساء آية 60].

وقوله: " لِشُرَكَائِنَا " يجوز فيه وجهان:

أحدهما: أن الشُّركَاء من الشِّرْك، ويعنون بهم: آلِهَتَهُم التي أشْركُوا بَيْنَها وبين البَاري - تعالى - في العِبادة، وليست الإضَافةُ إلى فاعِل ولا إلى مَفْعُولٍ، بل هي إضافَة تَخْصِيص، والمعْنَى: الشركاء الذين أشْركُوا بَيْنَهُم وبين الله - تعالى - في العِبَادة.

والثاني: أن الشُّركاء من الشركةِ، ومعنى كَوْنِهم سَمُّوا آلِهَتَهُم شُرَكَاءهُم: أنهم جَعَلُوهم شُرَكَاء في أمْوَالِهِم، وزُرُوعِهِم، وأنْعَامهم، ومَتَاجِرِهم وغير ذلك، فتكون الإضافَةُ إضافَة لَفْظِيَّة: إما إلى المفعُول أي: شُرَكَائِنا الَّذِين شَارَكُونا في أمْوَالِنَا، وإما إلى الفَاعِل، أي: الَّذِين أشْرَكْنَاهُم في أمْوَالِنا.

فصل في المراد بالآية

قال ابن عبَّاس: كان المُشْرِكُون يَجْعَلُون لله من حُرُوثِهِم وأنْعَامِهِم نَصيباً، وللأوْثَان نَصِيباً، فما كان للصَّنَم أنْفَقُوه على الأصْنَامِ وحدها، وما جعلوه للَّه أطْعَمُوه الضِّيفَان والمسَاكِين، ولا يأكُلُون مه ألْبَتَّة، وإن سقط من نَصِيب الأوْثَان فيما جَعَلُوه لله؛ ردّوه إلى الأوْثَانِ، وقالوا: إنَّها مُحْتَاجَة، وإن سقط شَيءٌ مما جَعَلُوه للّه في نَصيب الأوْثَانِ، تركُوهُ وقالوا: إنَّ اللَّه غَنِيُّ عن هذا.

السابقالتالي
2