الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

قوله: " ولَهُ مَا سَكَن ": جملة من مُبْتَدَأ وخبر، وفيها قولان:

أظهرهما: أنها اسْتِئْنَافُ إخبار بذلك.

والثاني: أنها في مَحَلّ نَصْبٍ نَسَقاً على قوله: " الله " ، أي: على الجملة المَحْكيَّةِ بـ " قل " أي: قل: هو لله، وقل: له ما سَكَنَ.

و " ما " موصولة بمعنى " الذي " ، ولا يجوز غَيْرُ ذلك.

و " سَكَنَ " قيل: معناه ثَبَتَ واسْتَقَرَّ، ولم يذكر الزمخشري غيره.

كقولهم: فلان يسكنُ بَلْدَة كذا، ومنه قوله تبارك وتعالىوَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُم } [إبراهيم:45].

وقيل: هو مِنْ " سَكَنَ " مقابل " تَحَرَّك " ، فعلى الأوَّل لا حذف في الآية الكريمة.

قال الزمخشري: وتعدِّيه بـ " في " كما في قوله:وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُم } [إبراهيم:45]، ورجَّح هذا التفسير ابن عطية.

وعلى الثَّاني اخْتَلَفُوا، فمنهم من قال: لا بُدَّ من محذوفٍ لِفَهْمِ المعنى، وقدَّر ذلك المحذوف معْطُوفاً، فقال: تقديره: وله ما سَكَنَ وما تحرك، كقوله في موضع آخر:تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [النحل:81] أي: والبَرْد وحذف المعطوف فاشٍ في كلامهم، وأنشد القائل في ذلك:
2116- كَأنَّ الحَصَى مِنْ خَلْفِهَا وَأمَامِهَا   وإذَا نَجَلَتْهُ رِجْلُهَا خَذْفُ أعْسَرَا
وقال الآخر: [الطويل]
2117- فَمَا كَانَ بَيْنَ الخَيْرِ لَوْ جَاءَ سَالِماً   أبُو حُجُرٍ إلاَّ لَيَالٍ قَلاَئِلُ
يريد: رِجْلَهَا ويدها، وبين الخير وبيني.

ومنهم من قال: لا حَذْفَ؛ لأنَّ كُلَّ متحرك قد يسكن.

وقيل: لأنَّ المُتَحرِّكَ أقَلُّ، والساكن أكثرُ، فلذلك أوثِرَ بالذِّكْرِ.

وقيل: إنما خصَّ السُّكون بالذِّكْرِ، لأن النعمة فيه أكثر.

فصل في نظم الآية

قال أبو مسلم: وجه نَظْمَ الآية الكريمة أنه - تبارك وتعالى - ذَكَرَ في الآية الأولى: السَّمَوَات والأرضَ؛ إذ لا مكانَ سِوَاهُمَا، وفي هذه الآية الكريمة ذكر الليل والنَّهار، إذ لا زمان سواهما، فالزَّمَان والمكان ظرفان للمحدثات، فأخبر - تبارك وتعالى - أنه مَالِكٌ للمكان والمَكَانِيَّاتِ، ومالك للزَّمانِ والزَّمانِيَّاتِ.

قال محمد بن جرير: كُلُّ ما طلعت عليه الشَّمْسُ وغَرَبَتْ، فهو من مَسَاكن اللَّيل والنَّهَار، والمراد جميع ما في الأرض.

وقيل: مَعْنَاه له ما يمرُّ عليه اللَّيْلُ والنَّهَارُ، وهو السميعُ لأصواتهم، العَلِيمُ بأسْرَارِهِمْ.