الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهَـٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ }

" هذا " إشارةٌ إلى ما تقدَّم تَقْرِيرُه, وهو أن الفِعْل يتوقَّفُ على الدَّاعِي، وحُصُول تلك الدَّاعية من اللَّهِ - تبارك وتعالى - فوجَبَ كون الفِعْل من اللِّهِ - تعالى -، وذلك يوجب التَّوْحِيد المَحْضَ, وسماه صِرَاطاً؛ لأن العِلْمَ به يؤدِّي إلى العِلْمِ بالتَّوحيد الحق.

وقيل: " هذا " إشارَةٌ إلى الَّذِي أنْتَ عليه يا مُحَمَّد طريق ربِّك ودينه الذي ارتَضَى لنَفْسِهِ, مسْتقِيماً لا عَوِجَ فيه وهُو الإسْلامُ.

وقال ابن مَسْعُود - رضي الله عنهما - و " هذا " إشَارةٌ إلى القُرآن الكريم.

قوله - تعالى -: " مُسْتَقِيماً " حال من " صِرَاط " والعَامِل فيه أحَد شَيْئَيْن: إمَّا " هَا " لما فيها من مَعْنَى التَّنْبيه، وإمَّا " ذَا " لما فِيهِ من مَعْنَى الإشارَةِ، وهي حَال مؤكدَةٌ لا مُبَيِّنة؛ لأن صِرَاط اللَّه لا يكُون إلاَّ كذلِك.

قال الواحدي: انْتَصَب " مُسْتَقِيماً " على الحَالِ، والعَامِل فيه مَعْنَى هذا، وذلك أن " ذَا " يَتَضَمَّن مَعْنَى الإشارة؛ كقولك: هذا زَيْدٌ قَائِماً، مَعْنَاه: أشِيرُ إليه في حَالِ قِيَامِه، وإذا كان العَامِلُ في الحَالِ مَعْنَى الفِعْل لا الفِعْل، لم يَجُزْ تقديمُ الحالِ عليه، لا يَجُوز: " قَائِماً هذا زَيْد " و [يجوز] ضَاحِكَاً جَاءَ زَيْدٌ.

ثم قال تبارك وتعالى: { قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَاتِ } أي: ذكرناها فَصْلاً فَصْلاً، بحيث لا يَخْتَلِطُ وَاحِدٌ منها بالآخَرِ, وقوله: " لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ".

قال ابن الخطيب: فالَّذِي أظنه والعِلْمُ عند الله أنه - تبارك وتعالى - إنَّما جعل مَقْطَع هذه الآية الكَرِيمَة هذه اللَّفْظَة؛ لأنَّه تقرَّر في عَقْلِ كُلِّ واحدٍ أن أحَد طَرَفَي المُمْكِن لا يترَجَّحُ على الآخَرِ إلاَّ لِمُرَجِّح، فكأنَّه - تبارك وتعالى - يَقُول للمْعَتزِليّ: أيها المعتَزِلِيّ، تذكَّر ما تقرَّر في عَقْلِك أن الممْكِن؛ لا يتَرجَّحُ أحَدُ طَرَفَيْه على الآخَرِ إلاَّ لمرجِّحِ، حتَّى تزولَ الشُّبْهَة عن قَلْبِك بالكُلِّية في مَسْألة القَضَاء والقَدَرِ.