الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَٰمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَذٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }

قال المفَسِّرُون: لمَّا نزلت هذه، " سُئِل رسُول الله صلى الله عليه وسلم عن شَرْح الصَّدر، قال: " نُورٌ يَقْذِفُهُ اللهُ - تعالى - في قَلْبِ المُؤمِن، فَيَنْشَرحُ لهُ ويَنْفَسِحُ " قيل: فَهْل لذلك أمَارَةٌ. قال: " نَعَم، الإنَابَةُ إلى دارِ الخُلُودِ، والتَّجَافِي عن دَارِ الغُرُور، والاسْتِعْداد للموت قبل نُزُولِهِ " ".

قوله: { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ } كقوله:مَنْ يَشإِ اللهُ يُضْلِلْه } [الأنعام:39] و " مَنْ " يَجُوزُ أن تكُون مَرْفُوعة بالابتداء، وأن تكون مَنْصُوبَةً بمقدَّرٍ بَعْدَهَا على الاشْتِغَال، أي: مَنْ يُوَفِّق اللَّه يُرِدْ أن يَهْدِيَهُ، وأنْ تكون مَنْصُوبَةً بمقدَّرٍ بَعْدَهَا على الاشْتِغَال، أي: مَنْ يُوَفِّق اللَّه يُرِدْ أن يَهْدِيَهُ، و " أنْ يَهْدِيَهُ " مَفْعُول الإرادَة، والشَّرْح: البَسْطُ والسَّعَة، قاله الليث.

وقال ابن قُتَيْبَة: " هو الفَتْحُ, ومنه: شَرَحْتُ اللًّحم، أي: فَتَحْتُه " وشرح الكلام: بَسَطَهَ وفتح مغْلَقَه، وهو استِعَارةٌ في المَعانِي، حَقِيقَةٌ في الأعْيَان. و " للإسْلام " أي: لِقُبُولِهِ.

قوله: { وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً }.

يجُوز أن يَكُون الجَعْلُ هنا بمعْنَى التَّصْيير، وأن يَكُون بمَعْنَى الخَلْقِ، وأن يكون يمعنى سَمًّى، وهذا الثًّالثُ ذهب إليه المعتزلة، كالفارسي وغيره من مُعْتَزِلَة النُّحَاةِ؛ لأن الله - تعالى - لا يُصَيِّر ولا يَخْلُق أحَداً كذا، فعلى الأوًّلِ يكون " ضَيِّقاً " مَفْعُولاً ثانياً عند مَنْ شدًّدَ يَاءَهُ، وهم العَامَّة غَيْر ابن كثير، وكذلك عند مَنْ خَفًّفَها سَاكِنَةً، ويكون فِيهِ لُغتانِ: التًّثقيل والتَّخْفِيفُ؛ كميِّت ومَيْت، وهيِّن وهَيْن.

وقيل: المخَفًّف مصدرُ ضاقَ يَضِيقُ ضيقاً، كقوله - تعالى -:وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ } [النحل:127]، يقال: ضَاقَ يضيقُ وضِيْقاً بفتح الضًّادِ وكَسْرِها.

وبالكَسْر قرأ ابن كثير في النحل والنَّمْل، فعلى جعله مصدراً يَجِيءُ فيه الأوْجُه الثلاثة في المصدرِ الواقع وَصْفاً لـ " جُثًّة " ، نحو: " رجُلٌ عَدْلٌ " وهي حَذْفُ مُضَافٍ، والمُبَالغَة، أوْ وُقُوعه مَوْقع اسْم الفاعل، أي: يَجْعَلُ صدره ذا ضيق، أو ضَائِقاً، أو نَفْس الضِّيق؛ مُبالغةً، والذي يَظْهَرُ من قراءة ابن كثير: أنه عِنْدهُ اسم صِفَةٍ مخَفًّف مِن " فَيْعل " وذلك أنَّه اسْتَغْرَب قراءَتَهُ في مَصْدَر هذا الفِعْلِ، دُون الفَتْح في سُورة النًّحْل والنًّمْل، فَلَوْ كان هذا عِنْدَهُ مَصْدَراً، لكان الظَّاهرُ في قراءته الكَسْرَ كالموضِعَيْنِ المُشَارِ إليْهما، وهذا من مَحَاسِنِ علم النَّحْو والقراءاتِ، والخلافُ الجَارِي هُنَا جارٍ في الفُرقَانِ.

وقال الكسائي: " الضَّيِّق بالتًّشْديد في الأجْرَام، وبالتًّخْفيف في المَعَانِي ".

ووزن ضيِّق: " فَيْعل " كميِّت وسيِّد عند جُمْهُور النَّحْويِّين ثم أدْغِم، ويجوز تَخْفِيفُه كما تقدَّم تَحْريرُه.

قال الفَارِسي: " والياءُ مثل الواوِ في الحَذْفِ وإن لم تَعْتَلَّ بالقَلْبِ كما اعتَلَّتِ الواوُ، أتْبعَتِ اليَاءُ الواو في هذا؛ كما أتبعت في قولهم: " أتَّسَرَ " من اليُسْر، فجُعِلَتْ بمنزلة اتَّعَدَ ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8