الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }

قيل " كذلك " نَسَقٌ على " كَذَلِكَ " قبلها ففيها ما فيها.

وقدَّرَهُ الزَّمْخَشَرِيُّ بأنّ معناه: " وكما جعلنا في مكَّةَ المشرفةِ صَنَاديدَهَا لِيَمْكُرُوا فيها, كذلك جعلْنَا في كل قريةٍ أكابرَ مجْرِميها " واللامُ في " لِيَمْكُرُوا " يجوزُ أن تكون للعاقبة؛ وأنْ تكونَ للعلَّة مَجَازاً، و " جَعَلَ " تَصْييريَّة، فتتعدَّى لاثنَيْنِ، واختُلِف في تقديرهما: والصحيحُ أنْ تكُونَ { فِي كُلِّ قَرْيةٍ } مَفْعُولاً ثايناً قُدِّم على الأوَّل، والأولُ " أكابِر " مُضَافاً لمجرميها.

الثاني: أنَّ { فِي كُلَّ قَرْيَةٍ } مفعولٌ - أيضاً - مقدَّمٌ، و " أكَابِر " هو الأول، و " مُجْرِمِيهَا " بدلٌ من " أكَابِر "؛ ذكر ذلك أبُو البقاء.

الثالث: أن يكُون " أكَابِر " مفعولاً ثانياً قُدِّم، و " مُجْرِميها " مَفْعُولٌ أول أخِّر، والتقديرُ: جَعَلْنا في كُلِّ قريةٍ مجرميها أكَابِرَ، فيتعلق الجارُّ بنفسِ الفِعْلِ قبله؛ ذكر ذلك ابنُ عَطِيَّة.

قال أبُو حيَّان: " وما أجَازَاهُ - يعني: أبَا البَقَاءِ، وابنُ عَطيَّةَ - خطأٌ وذهولٌ عن قاعدةٍ نَحْويَّةٍ، وهي أنَّ أفْعَلَ التفضيلِ إذا كانت بـ " مِنْ " مَلْفُوظاً بها، أو مقدرةً، أو مُضَافة إلى نِكَرَة كانت مُفردةً على كُل حالٍ، سواءٌ كانت لمذكر، أم مؤنث، مُفْرَدٍ أم مُثَنى أمْ مَجْمُوعٍ، وإذا ثُنِّيَتْ أو جُمِعَتْ أو أنِّثَتْ وطابَقَتْ ما هي له، لَزِمَها أحَدُ أمْرَيْنِ: إمَّا الألف واللام، وإمَّا الإضافة لمعرفة.

وإذا تقرَّرَ ذلك، فالقولُ بكوْنِ " مُجْرِميهَا " بدلاً، أو بكونه مفعولاً أول، و " أكابر " مَفعولٌ ثانٍ - خَطَأٌ؛ لاسْتلْزام أنْ يبقى " أكَابِرَ " مَجْمُوعاً وليست في ألِفٌ ولامٌ، ولا هِيَ مُضَافة لمعرفةٍ ". قال: " وقد تنبِّه الكرمَانِيُّ إلى هذه القاعدة فقال: أضَاف " أكَابِر " إلى " مُجْرِميها " لأن أفْعَلَ لا يُجْمَعُ إلاَّ مع الألفِ واللامِ، أو مع الإضافة ".

قال أبُو حيَّان: " وكان يَنْبَغِي أنْ يُقَيَّد بالإضافة إلى معرفةٍ ".

قال شهابُ الدِّين: أما هذه القاعدةُ فمسلمة، ولكن قد ذكر مكِّي مِثْلَ ما ذُكِر عن ابْن عَطيَّة سواء، وما أظُنّه أخذ إلاَّ منه، وكذلك الواحديُّ أيضاً، ومنع أنْ تُجوَّز إضافةُ " أكَابر " إلى مجرميها "؛ قال رحمه الله: " والآيةُ على التَّقْديمِ، والتأخير تقديرُه: " جَعَلْنَاه مُجْرِميها أكَابر " ولا يجوز أن تكون الأكَابِر مضافةً؛ لأنه لا يتمُّ المعنى، ويحتاجُ إلى إضْمار المفعول الثاني للجعل؛ لأنك إذا قلت: " جعلتُ زَيْداً " وسكتَّ لم يُفِد الكلامُ حتى تقول: رَئِيساً أو دَلِيلاً، أو ما أشبه ذلك، ولأنَّك إذا أضَفْتَ الأكَابِر، فقد أضَفْتَ النعتَ إلى المنعوت؛ وذلك لا يجوزُ عند البَصْريِّين ".

السابقالتالي
2