الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ }

في " أعلم " قولان:

أحدهما: أنَّها ليست للتَّفْضِيل، بل بِمَعْنَى اسم فاعل في قوته, كأنه قيل: إن ربَّك هو يَعْلَم.

قال الواحدي - رحمه الله -: " ولا يجوز ذلك؛ لأنَّه لا يطَابِق: وهو أعْلَم بالمُهتَدين ".

والثاني: أنَّها على بابها من التَّفْضِيل، ثم اختلف هؤلاء في محلِّ " مَنْ ": فقال بعض البصْريِّين: هو جَرٌّ بحرف مُقَدَّر حُذِف وبقي عمله؛ لقوة الدَّلالة عليه بِقَوْله: { وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } وهذا ليس بِشَيء؛ لأنه لا يُحْذَف الجَارُّ ويبقى أثَرُه إلا في مواضع تقدَّم التَّنْبِيه عليها، ما ورد بخلافها، فضرورةٌ؛ كقوله: [الطويل]
2299-...................   أشَارَتْ كُلَيْبٍ بالأكُفِّ الأصَابِعُ
وقوله: [الكامل]
2300-..................   حَتَّى تَبَذَّخَ فارْتَقَى الأعلامِ
الثاني: أنَّها في محلِّ نَصْب على إسْقاط الخَافِض؛ كقوله: [الوافر]
2301- تَمُرُّونَ الدِّيَارَ ولَمْ تَعوجُوا   ....................
قاله أبُو الفَتْح. وهو مَردُودٌ من وجهين:

الأول: أن ذلك لا يطَّرِد.

الثاني: أن أفْعَل التَّفْضِيل لا تَنْصِبُ بِنَفْسِها؛ لضَعْفها.

الثالث: وهو قَوْل الكُوفيين - أنّه نصب بنفس أفْعَل، فإنها عندهم تَعْمل عمل الفِعْل.

الرابع: أنها مَنْصُوبة بِفعل مُقَدَّر يدل عليه أفْعَل، قاله الفَارسيُّ؛ وعليه خَرَّج قول الشاعر: [الطويل]
2302- أكَرَّ وأحْمَى لِلْحَقيقةِ مِنْهُمُ   وأضْرَبَ مِنَّا بالسُّيُوفِ القَوَانِسَا
فـ " القوانِس " نُصِب بإضمار فعلٍ، أي: يَضْرِبُ القَوانِسَ؛ لأن أفْعَل ضَعِيفة كما تقرَّر.

الخامس: أنَّها مَرْفُوعة المحلِّ بالابْتِداء، و " يَضِل ": خَبَره، والجُمْلَة مُعَلِّقة لأفْعَل التَّفْضِيل؛ فهي في محلِّ نَصْب بها؛ كأنه قيل: أعلم أيُّ النَّاسِ يَضِل كقوله:لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ } [الكهف:12]، وهذا رأي الكسائيِّ، والزَّجَّاج، والمُبَرِّد، ومَكِّي، إلا أن أبا حيَّان ردَّ هذا؛ بان التَّعْلِيق فرع ثُبُوت العمل في المَفْعُول به، وأفْعَل لا يَعْمل فيه، فلا يُعَلَّق.

والرَّاجِح من هذه الأقْوَال: نَصْبُها بمضمر، وهو قول الفَارسيِّ، وقواعد البصريين مُوافِقَةٌ لَه، ولا يَجُوز ان تكون " مَنْ " في محلِّ جرِّ بإضافة أفْعل إليْها؛ لئلاً يلزم مَحْذُور عَظِيم، وذلك أنَّ أفعل التَّفْضِيل لا تُضَاف إلاَّ إلى جنْسِها، فإذا قُلْتَ: " زَيْد أعْلَم الضَّالِّين " لَزِم أن يكون " زَيْد " بَعْض الضَّالِّين، أي: مُتَّصِفٌ بالضَّلال، فهذا الوَجْه مُسْتَحيل في الآية الكريمة، وهذا عند من قرأ " يَضِلُّ " بفتح حَرْف المُضارعة، أمَّا من قرأ بضمِّه: " يُضِلّ " - وهو الحسن، وأحمد بن أبي سُرَيْج -، فقال أبُو البقاءِ: " يجُوز أن تكون " مَنْ " في موضع جرٍّ بإضافة " أفعل " إليها ".

قال: " إمَّا على مَعْنَى: هو أعْلَم المُضِلِّين، أي: من يجد الضَّلال وهو من أضْلَلْتُه، أي: وَجَدْته ضالاً؛ مثل أحْمَدْتُه، أي: وَجَدْته مَحْمُوداً، أو بِمَعْنى: أنه يَضِلُّ عن الهدى ".

السابقالتالي
2