الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ }

في هذه اللاَّم ثلاثة أوْجُه:

أحدها: أنها لام " كَيْ " والفِعْل بعدها مَنْصُوب بإضمار " أن " وفيما يتعلَّق به احتمالان:

الاحتمال الأول: أن يتعلَّق بـ " يُوحِي " على أنَّها نَسَق على " غُرُوراً " و " غُرُوراً " مفعول له، والتقدير: " يوحي بَعْضُهم إلى بَعْض للغُرُور وللصَّغْو " ، ولكن لما كان المَفْعُول له الأوَّل مُسْتَكْمِلاً لِشُروط النَّصْب، نُصِب، ولما كان هذا غير مُسْتكملٍ للشُّروطِ، وصل الفعل إليه بِحَرف العِلَّة، وقد فَاتَه من الشَّروط كونه لم يتَّحِد فيه الفَاعِل، فإنَّ فاعل الوحي: " بَعْضُهم " ، وفاعل الصَّغْو: " الأفئدة " وفات أيضاً من الشُّروط صَريح المصدريَّة.

والاحتمال الثاني: أن يتعلَّقِ بِمَحْذُوف متَأخِّر بَعْدَها، فقدَّره الزَّجَّاج، ولِتَصْغى إليه فَعَلُوا ذَلِك، وكذا قدَّره الزَّمَخْشَرِي، فقال: ولِتَصْغى جَوَابُه مَحْذُوف، تقديره: وليكون ذَلِك جَعَلْنا لكُلِّ نبي عدُواً على أن اللاَّم لام الصَّيْرُورة.

والوجه الثاني: أن اللاَّم لام الصَّيْرُورة وهي الَّتِي يعبِّرون عنها بِلام العاقِبَة، وهي رأي الزَّمَخْشَري، كما تقدَّم حكايته عنه.

الوجه الثالث: أنها لام القَسَم.

قال أبو البقاء: " إلا أنَّها كُسِرتْ لمَّا لم يؤكد الفِعْل بالنُّون " وما قَالَه غير مَعْرُوف، بل المَعْرُوف في هذا القَول: أنَّ هذه لام كَيْ، وهي جوابُ قسم مَحْذُوف، تقديره: واللَّه لتَصْغَى فوضع " لِتَصْغَى " موضع " لَتَصْغَيَنَّ " فصار دواب القَسَم من قَبِيل المُفْرَد؛ كقولك: " والله ليقومُ زيد " أي: " أحْلِفُ بالله لَقيامُ زيد " هذا مَذْهبُ الأخْفَش وأنشد: [الطويل]
2289 -إذَا قُلْتُ قَدْنِي قَالَ بِاللَّه حَلْفَةً   لِتُغْنِيَ عَنِّي ذَا إنَائِكَ أجْمَعَا
فقوله: " لتُغْني " جواب القَسَم، فقد ظَهَر أن هذا القَائِل يَقُول بكونها لام كي، غاية ما في الباب أنَّها وقعت مَوْقِع جواب القَسَم لا أنَّها جوابٌ بِنَفْسِها، وكُسِرَتْ لمَّا حُذِفَتْ منها نون التَّوكيد، ويدلُّ على فساد ذلك، أنَّ النُّونَ قد حُذِفَتْ، ولامَ الجواب بَاقِية على فَتْحِها، قال القَائِل في ذلك: [الطويل]
2290- لئِنْ تَكُ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيْكُمْ بُيُوتُكُمْ   لَيَعْلَمُ رَبِّي أنَّ بَيْتِيَ وَاسِعُ
فقوله: " لَيَعْلَمُ " جوابُ القَسَم الموطَّأ له باللاَّم في " لَئِنْ " ومع ذلك فَهِي مَفْتُوحة مع حَذْفِ نُونِ التَّوْكِيد.

والضَّمِير في قوله: " مَا فَعَلُوه " وفي: " إليه " يَعُود: إمَّا على الوَحْي، وإمَّا على الزُّخْرُف، وإما على القَوْل، وإمَّا عَلَى الغُرُور، وإمّا على العداوة؛ لأنَّها بمعنى: التَّعَادي.

ولتصغى أي تميل وهذ المادَّة تدل على الميْل، ومنه قوله - تعالى -:فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } [التحريم:4]، وفي الحديث: " فأصْغى لها الإنَاء " وصاغِيَةُ الرجل: قَرَابَتُه الَّذِين يَمِيلون إليه، وعين صَغْوى أي: مائِلَة، قال الأعْشَى: [الطويل]
2291- تَرَى عَيْنَهَا صَغْوَاء فِي جَنْبِ مُؤقِهَا   تُرَاقِبُ فِي كَفِّي القَطِيعَ المُحَرَّمَا

السابقالتالي
2 3 4