الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }

لمَّا بيَّن فساد أقوال المشركين شَرَعَ في إقامة الدلالة على فساد قول من يثبت له الولد، فقال: { بَدِيعُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ }.

والإبداع: عبارة عن تَكْوينِ الشيء من غير سَبْقِ مثالٍ، وتقدَّم الكلامُ عليه في " البقرة ".

وقرأ الجمهور رفع العين، وفيها ثلاثة أوجه:

أظهرها: أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هو بَدِيعٌ، فيكون الوَقْفُ على قوله: " والأرض " فهي جملة مستقلة بنفسها.

الثاني: أنه فاعل بقوله: " تعالى " ، أي: تعالى بديع السموات، وتكون هذه الجملة الفعلية مَعْطُوفَةً على الفِعْلِ المقدر قبلها، وهو النَّاصب لـ " سبحان " فإن " سبحان " كما تقدَّم من المصادرِ اللازم إضمار ناصبها.

الثالث: أنه مبتدأ وخبره ما بعده من قوله: { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَد }.

وقرأ المنصور " بديع " بالجر قال الزمخشري: ردَّا على قوله: " وجعلوا لله " ، أو على " سبحانه " كذا قاله، ولم يبيّن على أي وجه من وُجُوهِ الإعراب هو وكذا أبو حيَّان - رحمه الله - حَكَاهُ عنه ومرَّ عليه، ويريد بالرد كونه تابعاً، إما: لله، أو للضمير المجرور في " سُبْحَانَهُ " وتبعيته له على كونه بدلاً من " لله " تعالى أو من الهاء في " سُبْحَانَهُ " ويجوز أن يكون نَعْتاً [لله على أن تكون إضافة " بديع " مَحْضَةً كما ستعرفه.

وأما تَبَعِيَّتُهُ للهاء فيتعين أن يكون بدلاً، ويمتنع أن يكون نَعْتاً]، وإن اعتقدنا تعريفه بالإضافة لِمُعَارضِ آخر، وهوأن الضمير لا ينعت إلا ضمير الغائب على رأي الكسائي، فعلى رأيه قد يجوز ذلك.

وقرأ أبو صالح الشَّامي: " بديعَ " نصباً، ونَصْبُهُ على المَدْحِ، وهي تؤيد قراءة الجر، وقراءة الرفع المتقدمة يحتمل أن تكون أصْلِيَّة الإتباع بالجر على البَدَلِ ثم قطع التابع رفعاً.

و " بديع " يجوز أن يكون بمعنى " مُبْدِعٍ " وقد سَبَقَ معناه، أو تكون صِفَةً مشبهة أضيفت لمرفوعها، كقولك: فلان بديعُ الشعر، أي: بديع شعره، وعلى هذيْنِ القولين، فإضافته لَفْظِيَّةٌ، لأنه في الأو‍َّل من باب إضافة اسم الفاعل إلى منصوبه، وفي الثُّاني من باب إضافة الصفة المشبهة إلى مرفوعها، ويجوز أن تكون بمعنى عديم النظير والمثل فيهما، كأنه قيل: البديع في السموات والأرض، فالإضافة على هذا إضافةٌ مَحْضَةٌ.

قوله: { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ } " أنَّى " بمعنى " كيف " [أو " من أين " ] وفيها وجهان:

أحدهما: أنها خبر كان الناقصة، و " له " في محل نصبٍ على الحال، و " ولد " اسمها، ويجوز أن تكون مَنْصُوبَةً على التشبيه بالحال أو الظرف، كقوله:

السابقالتالي
2 3 4 5 6