قوله تعالى: { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } تقدم نظيره. قوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ }. قال سعيد بن جبير: قلت لابن عباس: سورة الحشر؟ قال: قل: سورة النَّضير، وهم رهط من اليهود من ذرية هارون - صلوات الله وسلامه عليه - نزلوا بـ " المدينة " في فتن بني إسرائيل انتظاراً لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم فكان من أمرهم ما نصّ عليه. قوله: { مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ }. يجوز أن تكون " من " للبيان، فتتعلق بمحذوف، أي: أعني من أهل الكتاب. والثاني: أنها حال من " الَّذين كفروا ". وقوله تعالى: { مِن دِيَارِهِمْ } متعلق بـ " أخرج " ، ومعناها: ابتداء الغاية، وصحت إضافة الديار إليهم؛ لأنهم أنشئوها. قوله: { لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ }. هذه اللاَّم متعلقة بـ " أخرج " وهي لام التوقيت، كقوله تعالى:{ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ } [الإسراء: 78] أي: عند أول الحشر. وقال الزمخشري: وهي كاللام في قوله تعالى:{ يَٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } [الفجر: 24]، وقوله: " جئت لوقت كذا " وسيأتي الكلام على هذه " اللام " في سورة " الفجر " إن شاء الله تعالى. فصل في الكلام على الحشر قال القرطبي: " الحشر ": الجمع، وهو على أربعة أضرب: حشران في الدنيا وحشران في الآخرة. أما اللذان في الدنيا فقوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ }. قال الزهري: كانوا من سِبْطٍ لم يصبهم جلاء، وكان الله - عز وجل - قد كتب عليهم الجلاء، فلولا ذلك لعذّبهم في الدنيا، وكان أول حشر حشروا في الدنيا إلى " الشام ". قال ابن عباس وعكرمة: من شك أن المحشر في " الشام " فليقرأ هذه الآية. وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: " اخْرُجُوا " قالوا: إلى أين؟ قال: " إلى أرْضِ المَحْشَرِ ". قال قتادة رضي الله عنه: هذا أول المحشر. قال ابن عباس رضي الله عنهما: هم أول من حشر من أهل الكتاب، وأخرج من دياره. وقيل: إنهم أخرجوا إلى " خيبر " ، وإن معنى " لأول الحشر ": إخراجهم من حصونهم إلى " خيبر " ، وآخرهم بإخراج عمر إياهم من " خيبر " إلى " نجد " و " أذرعات ". وقيل: " تيماء " و " أريحاء " ، وذلك بكفرهم ونقض عهدهم. وأما الحشر الثاني: فحشرهم قرب القيامة. قال قتادة: تأتي نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، تبيت معهم حيث باتوا، وتقيلُ معهم حيث قالوا، وتأكل من تخلف منهم، وهذا ثابت في الصحيح.