ثم إنه - تعالى - أكد بيان كونه عالماً بكل المعلومات، فقال جل ذكره: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } فلا يخفى عليه سرّ ولا علانية. قوله تعالى: { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ }. " يكون " تامة، و " من نجوى " فاعلها، و " من " مزيدة فيه، و " نجوى " في الأصل مصدر، فيجوز أن يكون باقياً على أصله، ويكون مضافاً لفاعله، أي: ما يوجد من تناجي ثلاثة، ويجوز أن يكون على حذف، أي: من ذي نَجْوَى، ويجوز أن يكون أطلق على الأشخاص المتناجين مبالغة. فعلى هذين الوجهين ينخفض " ثلاثة " على أحد وجهين: إما البدل من " ذوي " المحذوفة، وإما الوصف لها على التقدير الثاني، وإما البدل، أو الصفة لـ " نجوى " على التقدير الثالث. وقرأ ابن أبي عبلة: " ثلاثة " ، و " خمسة " نصباً على الحال، وفي صاحبها وجهان: أحدهما: أنه محذوف مع رافعه تقديره: يتناجون ثلاثة، وحذف لدلالة " نجوى ". والثاني: أنه الضمير المستكن في " نجوى " إذا جعلناها بمعنى المتناجين [قاله الزمخشري، رحمه الله. قال مكي: " ويجوز في الكلام رفع " ثلاثة " على البدل من موضع " نجوى "؛ لأن موضعها رفع و " من " زائدة، ولو نصبت " ثلاثة " على الحال من الضمير المرفوع إذا جعلت " نجوى " بمعنى المتناجين جاز في الكلام " ]. قال شهاب الدين: " ولا يقرأ به فيما علمت، وهو جائز في غير القرآن كما قال، وأما النصب فقد قرىء به، وكأنه لم يطلع عليه ". قوله: { إلا هو رابعهم } ، { إلا هو خامسهم } ، { إلا هو معهم } كل هذه الجمل بعد " إلا " في موضع نصب على الحال أي: ما يوجد شيء من هذه الأشياء إلا في حال من هذه الأحوال، فالاستثناء مفرغ من الأحوال العامة. وقرأ أبو جعفر: " ما تكون " بتاء التأنيث لتأنيث النجوى. قال أبو الفضل: إلا أنَّ الأكثر في هذا الباب التذكير على ما في قراءة العامة؛ لأنه مسند إلى " من نجوى " وهو اسم جنس مذكر. قال ابن جني: التذكير الذي عليه العامة هو الوجه؛ لوقوع الفاصل بين الفعل والفاعل، وهو كلمة " من " ، ولأن تأنيث النجوى غير حقيقي. قوله: " ولا أكْثرَ ". العامة على الجر عطفاً على لفظ " نجوى ". وقرأ الحسن، والأعمش، وابن أبي إسحاق، وأبو حيوة ويعقوب: " ولا أكثر " بالرفع، وفيه وجهان: أحدهما: أنه معطوف على موضع " نجوى " لأنه مرفوع، و " من " مزيدة، فإن كان مصدراً كان على حذف مضاف كما تقدم، أي: من ذوي نجوى، وإن كان بمعنى متناجين، فلا حاجة إلى ذلك.