الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱتَّخَذْوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } * { ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ } * { إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلأَذَلِّينَ } * { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } * { لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

قوله تعالى: { ٱتَّخَذْوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً }.

قرأ العامة: " أيْمَانَهُمْ " - بفتح الهمزة - جمع " يَمِين ".

والحسن وأبو العالية - بكسرها - مصدراً هنا، وفي " المُنَافقين " ، أي: إقرارهم اتخذوه جُنّة يستجنُّون بها من القَتْلِ.

قال ابن جني: " هذا على حذف مضاف، أي: اتخذوا إظهار أيمانهم جُنَّة من ظهور نفاقهم ".

وقوله تعالى: { أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً } مفعولان لـ " اتَّخَذُوا ".

قوله: { لهم عذاب مهين } في الدنيا بالقَتْل وفي الآخرة بالنار.

وقيل: المراد من الكل عذاب الآخرة، كقوله عز وجل:ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ ٱلْعَذَابِ } [النحل: 88]. الصّد عن سبيل الله: المنع عن الإسلام.

وقيل: إلقاء الأراجيف وتَثْبِيط المسلمين عن الجهاد.

قوله تعالى: { لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } تقدم الكلام عليه في آل عمران.

قال مقاتل رحمه الله: قال المنافقون: إن محمداً يزعم أنه ينصر يوم القيامة لقد شقينا إذاً، فوالله لننصرنّ يوم القيامة بأنفسنا وأموالنا وأولادنا إن كانت قيامة، فنزلت الآية.

قوله تعالى: { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً } أي: لهم عذاب مهين يوم يبعثهم الله، فيحلفون له كما يحلفون لكم اليوم.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: يحلفون لله - تعالى - يوم القيامة كذباً كما حلفوا لأوليائه في الدنيا، وهو قولهم:وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام: 23] ويحسبون أنهم على شيء، بإنكارهم وحلفهم.

قال ابن زيد: ظنوا أنه ينفعهم في الآخرة.

وقيل: يحسبون في الدنيا أنهم على شيء؛ لأنهم في الآخرة يعلمون الحق باضطرار، والأول أظهر.

والمعنى: أنهم لشدة توغلهم في النفاق ظنّوا يوم القيامة أنهم يمكنهم ترويج كذبهم بالأيمان الكاذبة على علام الغيوب، وإليه الإشارة بقوله تعالى:وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [الأنعام: 28].

قال القاضي والجُبَّائي: إن أهل الآخرة لا يكذبون، فالمراد من الآية أنهم يحلفون في الآخرة: إنا ما كنا كافرين عند أنفسنا، وعلى هذا الوجه لا يكون الحلف كذباً، وقوله تعالى: { أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } أي: في الدنيا.

قال ابن الخطيب: " وتفسير هذه الآية على هذا الوجه يقتضي ركاكة عظيمة في النَّظْم ".

روى ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ القِيَامَةِ: أيْنَ خُصَمَاءُ اللَّهِ تعالى؟ فَتقُومُ القدريَّةُ مُسْودَّةً وجُوهُهُمْ، مُزْرَقَّةً أعْيُنُهُمْ، مَائِلٌ شِدْقُهُمْ يَسِيْلُ لُعَابهُم، فيقُولُونَ: واللَّهِ ما عَبَدْنَا مِنْ دُونِكَ شَمْساً ولا قَمَراً ولا صَنَماً، ولا اتَّخَذْنَا مِنْ دُونِكَ إلهاً ".

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: صدقوا ولله، أتاهم الشرك من حيث لا يعلمون، ثم تلا: { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } ، هم والله القدرية ثلاثاً.

السابقالتالي
2 3 4 5