قوله تعالى: { ٱتَّخَذْوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً }. قرأ العامة: " أيْمَانَهُمْ " - بفتح الهمزة - جمع " يَمِين ". والحسن وأبو العالية - بكسرها - مصدراً هنا، وفي " المُنَافقين " ، أي: إقرارهم اتخذوه جُنّة يستجنُّون بها من القَتْلِ. قال ابن جني: " هذا على حذف مضاف، أي: اتخذوا إظهار أيمانهم جُنَّة من ظهور نفاقهم ". وقوله تعالى: { أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً } مفعولان لـ " اتَّخَذُوا ". قوله: { لهم عذاب مهين } في الدنيا بالقَتْل وفي الآخرة بالنار. وقيل: المراد من الكل عذاب الآخرة، كقوله عز وجل:{ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ ٱلْعَذَابِ } [النحل: 88]. الصّد عن سبيل الله: المنع عن الإسلام. وقيل: إلقاء الأراجيف وتَثْبِيط المسلمين عن الجهاد. قوله تعالى: { لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } تقدم الكلام عليه في آل عمران. قال مقاتل رحمه الله: قال المنافقون: إن محمداً يزعم أنه ينصر يوم القيامة لقد شقينا إذاً، فوالله لننصرنّ يوم القيامة بأنفسنا وأموالنا وأولادنا إن كانت قيامة، فنزلت الآية. قوله تعالى: { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً } أي: لهم عذاب مهين يوم يبعثهم الله، فيحلفون له كما يحلفون لكم اليوم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: يحلفون لله - تعالى - يوم القيامة كذباً كما حلفوا لأوليائه في الدنيا، وهو قولهم:{ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام: 23] ويحسبون أنهم على شيء، بإنكارهم وحلفهم. قال ابن زيد: ظنوا أنه ينفعهم في الآخرة. وقيل: يحسبون في الدنيا أنهم على شيء؛ لأنهم في الآخرة يعلمون الحق باضطرار، والأول أظهر. والمعنى: أنهم لشدة توغلهم في النفاق ظنّوا يوم القيامة أنهم يمكنهم ترويج كذبهم بالأيمان الكاذبة على علام الغيوب، وإليه الإشارة بقوله تعالى:{ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [الأنعام: 28]. قال القاضي والجُبَّائي: إن أهل الآخرة لا يكذبون، فالمراد من الآية أنهم يحلفون في الآخرة: إنا ما كنا كافرين عند أنفسنا، وعلى هذا الوجه لا يكون الحلف كذباً، وقوله تعالى: { أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } أي: في الدنيا. قال ابن الخطيب: " وتفسير هذه الآية على هذا الوجه يقتضي ركاكة عظيمة في النَّظْم ". روى ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ القِيَامَةِ: أيْنَ خُصَمَاءُ اللَّهِ تعالى؟ فَتقُومُ القدريَّةُ مُسْودَّةً وجُوهُهُمْ، مُزْرَقَّةً أعْيُنُهُمْ، مَائِلٌ شِدْقُهُمْ يَسِيْلُ لُعَابهُم، فيقُولُونَ: واللَّهِ ما عَبَدْنَا مِنْ دُونِكَ شَمْساً ولا قَمَراً ولا صَنَماً، ولا اتَّخَذْنَا مِنْ دُونِكَ إلهاً ". وقال ابن عباس رضي الله عنهما: صدقوا ولله، أتاهم الشرك من حيث لا يعلمون، ثم تلا: { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } ، هم والله القدرية ثلاثاً.