الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ }. تقدم قراءتنا " ليحزن " بالضم والفتح في " آل عمران " [آل عمران 176].

وقرىء: " بفتح الياء والزاي " على أنه مسند إلى الموصول بعده، فيكون فاعلاً.

فصل في تحرير معنى الآية

قال ابن الخطيب: الألف واللام في لفظ " النجوى " لا يمكن أن يكون للاستغراق؛ لأن في " النجوى " ما يكون من الله ولله، بل المراد منه: المعهود السابق، وهو النجوى بالإثم ليحزن المؤمنين إذا رأوهم متناجين.

قال المفسرون: معنى قوله تعالى: { إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } وتوهموا أن المسلمين أصيبوا في السَّرايا، أو إذا رأو اجتماعهم على مكايدة المسلمين، وربما كانوا يناجون النبي صلى الله عليه وسلم فيظن المسلمون أنهم ينتقصونهم عند النبي صلى الله عليه وسلم { وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ } أي: التناجي { شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي: بمشيئته.

وقيل: بعلمه.

وعن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - بأمره.

{ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } أي: يكلون أمرهم إليه، ويفوضون [جميع] شئونهم إلى عونه.

فصل في النهي عن التناجي

روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذَا كَانَ ثلاثةٌ فَلا يَتَنَاجَى اثْنانِ دُونَ الواحدِ ".

وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذَا كَانَ ثَلاثَةٌ فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الآخَرِ حتَّى يَخْتلطُوا بالنَّاسِ من أجْلِ أنْ يُحْزِنَهُ ".

فبين في هذا الحديث غاية المنع، وهو أن يجد الثالث من يتحدث معه كما فعل ابن عمر، وذلك أنه كان يتحدث مع رجل، فجاء آخر يريد أن يناجيه فلم يُناجِهِ حتى دعا رابعاً، فقال له وللأول: تأخَّرا وناجى الرجل الطَّالب للمناجاة. خرجه في " الموطأ " ونبه فيه على العلة بقوله: " مِنْ أجْلِ أن يُحْزِنَهُ " أي: يقع في نفسه ما يحزن لأجله، وذلك بأن يقدر في نفسه أن الحديث عنه بما يكره، أو أنهم لم يروه أهلاً بأن يشركوه في حديثهم، إلى غير ذلك من ألقيات الشيطان، وأحاديث النفس، ويحصل ذلك كله من بقائه وحده، فإذا كان معه غيره أمن ذلك، وعلى هذا يستوي في ذلك كل الأعداد، فلا يتناجى أربعة دون واحد، ولا عشرة ولا ألف مثلاً، لوجود ذلك المعنى في حقه، بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأوقع، فيكون بالمنع أولى، وإنما خص الثلاثة بالذكر؛ لأنه أول عدد يتأتى ذلك فيه.

قال القرطبي: " وظاهر الحديث يعم جميع الأزمان والأحوال ".

وذهب إليه ابن عمر ومالك والجمهور وسواء كان التناجي في مندوب، أو مباح، أو واجب فإن الحزن يقع به.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9