الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } * { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } * { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } * { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }

قوله: { مِن مُّصِيبَةٍ } فاعل " أصاب " ، و " من " مزيدة لوجود الشرطين، وذكر فعلها؛ لأن التأنيث مجازي

قوله: { فِي ٱلأَرْضِ } يجوز أن يتعلق بـ " أصاب " ، وأن يتعلق بنفس " مصيبة " ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه صفة لـ " مصيبة " ، وعلى هذا فيصلح أن يحكم على موضعه بالجر نظراً إلى لفظ موصوفه، وبالرفع نظراً إلى محله، إذ هو فاعل.

والمصيبة غلبت في الشَّر.

وقيل: المراد بها جميع الحوادث من خير وشر، وعلى الأول يقال: لم ذكرت دون الخير؟

وأجيب: بأنه إنما خصها بالذكر؛ لأنها أهمّ على البشر.

قوله: { إِلاَّ فِي كِتَابٍ } حال من " مصيبة " ، وجاز ذلك وإن كانت نكرة لتخصصها إما بالعمل، أو بالصفة، أي: إلا مكتوبة.

قوله: " مِنْ قَبْلِ " نعت لـ " كتابٍ " ، ويجوز أن يتعلق به. قاله أبو البقاء. لأنه هنا اسم للمكتوب، وليس بمصدر.

والضمير في " نَبْرأها " الظاهر عوده على المصيبة.

وقيل: على الأنفس.

وقيل: على الأرض، أي على جميع ذلك. قاله المهدوي، وهو حسن.

فصل في مناسبة الآية لما قبلها

قال الزجاج: إنه - تعالى - لما قال:سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } [الحديد: 21] وبين أن المؤدي إلى الجنة لا يكون إلا بقضاء الله تعالى وقدره، فقال: { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ }.

والمعنى لا توجد مصيبة من هذه المصائب إلا وهي مكتوبة عند الله، والمصيبة في الأرض قَحْط المطر، وقلّة النبات، ونقص الثِّمار، وغلاء الأسعار، وتتابع الجوائح.

وأما المصيبة في الأنفس فقيل: هي الأمراض، والفقر، وذهاب الأولاد، وإقامة الحدود عليها.

وقيل: ضيق المعاش وقيل: الخير والشَّر أجمع، لقوله بعد ذلك: { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ }.

وقوله: { إلا في كتابٍ } يعني: مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ.

وقوله: { من قبل أن نَبْرَأها }.

قال ابن عباس: من قبل أن نخلق المصيبة.

وقال سعيد بن جبير: من قبل أن نخلق الأرض والنفس.

{ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } أي: خلق ذلك، وحفظه على الله يسير أي: هيّن.

قال الربيع بن صالح: لما أُخذ سعيد بن جبيرٍ - رضي الله عنه - بَكَيْتُ، قال: ما يبكيك؟ قلت: أبكي لما أرى بك ولما تذهب إليه، قال: فلا تَبْكِ، فإنه كان في علم الله - تعالى - أن يكون، ألم تسمع قوله تعالى: { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ } الآية.

قال ابن عباس: لما خلق الله القلم، قال له: اكتب، فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة.

وقد ترك جماعة من السلف الدواء في أمراضهم، فلم يستعملوه ثقةً بربهم وتوكلاً عليه، وقالوا: قد علم الله أيام المرض وأيام الصِّحة، فلم حرص الخلق على تقليل ذلك أو زيادته ما قدروا، قال الله تعالى: { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ } الآية، ويؤيد هذا قوله عليه الصلاة والسلام:

السابقالتالي
2 3 4 5 6