قوله تعالى: { إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ }. خفف الصاد منهما ابن كثير، وثقلها باقي السَّبعة. فقراءة ابن كثير من التصديق، أي: صدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، كقوله:{ وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } [الزمر: 33]، وقراءة الباقين من الصدقة وهو مناسب لقوله: " وأقرضوا " والأصل: المتصدّقين والمتصدّقات، فأدغم، وبها قرأ أبي. وقد يرجح الأول بأن الإقْرَاض مُغنٍ عن ذكر الصدقة. قوله: " وأقْرَضُوا " فيه ثلاثة أوجه: [أحدها]: أنه معطوف على اسم الفاعل في " المصدّقين "؛ لأنه لما وقع صلة لـ " ال " حل محل الفعل، كأنه قيل: إن الذين صدقوا وأقرضوا، وعليه جمهور المعربين، وإليه ذهب الفارسي، والزمخشري، وأبو البقاء. وهو فاسد؛ لأنه يلزم الفصل بين أبعاض الصِّلة بأجنبي، ألا ترى أنَّ " المصدقات " عطف على " المصدقين " قبل تمام الصِّلة، ولا يجوز أن يكون عطفاً على " المصدقات " لتغايُر الضمائر تذكيراً وتأنيثاً. الثاني: أنه معترض بين اسم " إن " وخبرها، وهو " يضاعف ". قال أبو البقاء: " وإنما قيل ذلك لئلاَّ يعطف الماضي على اسم الفاعل ". قال شهاب الدين: " ولا أدري ما هذا المانع؛ لأن اسم الفاعل متى وقع صلة لـ " ال " صلح للأزمنة الثلاثة، ولو منع بما ذكرته من الفصل بأجنبي لأصاب، ولكن خفي عليه كما خفي على الفارسي والزمخشري ". الثالث: أنه صلةٌ لموصول محذوف لدلالة الأول عليه، كأنه قيل: " الذين أقرضوا "؛ كقوله: [الوافر]
4722- أمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّه مِنْكُمْ
ويَنْصُرهُ ويمْدَحهُ سَوَاءُ؟
أي: ومن ينصره، واختاره أبو حيان. قال ابن الخطيب: وفي الآية إشكال، وهو أن عطفه الفعل على الاسم قبيحٌ، فما فائدة التزامه هنا؟. وأجاب بأن الزمخشري قال: " وأقرضوا " معطوف على معنى الفعل في التصديق؛ لأن " اللام " بمعنى " الذين " ، واسم الفاعل بمعنى " صدقوا وأقرضوا ". قال: وهذا لا يزيل الإشكال، فإنه ليس فيه بيان أنه لم عدل عن ذلك اللفظ [إلى هذا اللفظ]. والذي عندي فيه أن الألف واللام في " المصدّقين والمصدّقات " للمعهود، فكأنه ذكر جماعة معينين بهذ الموصف، ثم قبل ذكر الخبر أخبر عنهم بأنهم أتوا بأحسن أنواع الصدقة، وهو القرضُ، ثم ذكر الخبر بعد ذلك فقال: " يُضَاعَفُ لَهُمْ ". فقوله: " وأقرضوا "؛ كقوله: [السريع]
4723- إنَّ الثَّمَانينَ وبُلِّغْتَهَا
...................
قوله: { يُضَاعَفُ لَهُمْ } في القائم مقام الفاعل وجهان: أظهرهما: أنه الجار بعده. والثاني: أنه ضمير التصديق، ولا بد من حذف مضاف، أي: ثواب التصديق. وقرأ الأعمش؛ " يُضَاعِفُهُ " بكسر العين، وزيادة هاء.