الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَٱرْتَبْتُمْ وَغرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } * { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } * { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْيِـي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

قوله: { يُنَادُونَهُمْ } يجوز أن يكون حالاً من الضمير في " بينهم ". قاله أبو البقاء.

وهو ضعيف لمجيء الحال من المضاف إليه في غير المواضع المستثناة.

وأن تكون مستأنفة، وهو الظاهر.

وقوله: { أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ } يجوز أن يكون تفسيراً للنداء، وأن يكون منصوباً بقول مقدّر.

فصل في معنى الآية

والمعنى: ينادي المنافقون المؤمنين { ألم نَكُنْ معكم } يعني: في الدنيا نصلّي مثل ما تصلّون، ونغزو مثل ما تَغْزُون، ونفعل مثل ما تفعلون؟.

" قالوا: بَلَى " ، أي: يقول المؤمنون: بلى، قد كُنتم معنا في الظَّاهر، { وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ } أي: استعملتموها في الفتنة.

وقال مجاهد: أهلَكْتمُوهَا بالنِّفاق.

وقيل: بالمعاصي. قاله أبو سنان. وقال أبو نمير الهمداني: بالشهوات واللَّذَّات.

وقوله: " وتربّصتم " أي: بالنبي صلى الله عليه وسلم الموت، وبالمؤمنين الدَّوائر.

وقيل: تربَّصتم بالتوبة.

" وارْتَبْتُمْ " أي: شككتم في التوحيد، أو النبوة، أو البعث.

" وغرَّتكم الأماني " أي: الأباطيل.

وقيل: طول الأمل، وهو ما كانوا يتمنّونه من ضعف المؤمنين، ونزول الدَّوائر بهم.

وقال قتادة: الأماني هنا خدعُ الشيطان.

وقيل: الدنيا، قاله عبد الله بن عباس.

وقال أبو سنان: هو قولهم: " سيغفر لنا ".

وقال بلال بن سَعْدٍ: ذكرك حسناتك، [ونسيانك] سيئاتك غِرَّةً { حتَّى جاء أمر الله } يعني: الموت.

وقيل: نُصْرة نبيه صلى الله عليه وسلم.

وقال قتادة: إلقاؤهم في النَّار.

قوله: { وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ }.

قرأ العامة: " الغَرُور " بفتح الغين، وهو صفة على " فعول " ، والمراد به: الشَّيْطان، أي: خدعكم بالله الشيطان.

وقرأ أبو حيوة، ومحمد بن السميفع، وسماك بن حَرْب: " الغُرُور " بالضم، وهو مصدر، والمراد به الأباطيل.

" عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خطَّ لنا خُطُوطاً، وخط منها خطًّا ناحية، فقال: " أتَدْرُونَ مَا هَذَا؟ هَذَا مِثْلُ ابْنِ آدَمَ ومِثْلُ التمنِّي، وتِلْكَ الخُطُوطُ الآمَالُ، بَيْنَمَا يتمنَّى إذْ جَاءَهُ المَوْتُ " ".

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " خطَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًّا مربَّعاً وخط في وسطه خطًّا، وجعله خارجاً منه، وخط عن يمينه ويساره خطوطاً صغاراً، فقال: " هَذَا ابْنُ آدَمَ وهَذَا أجَلُهُ يُحيطُ بِهِ، وهذا أمَلُهُ قَدْ جَاوَزَ أجَلَهُ، وهذه الخُطُوطُ الصِّغَارُ الأعْرَاضُ فإنْ أخْطَأهُ هذا نَهَشَهُ هذا " ".

قوله: " فَاليَوْمَ " منصوب بـ " يؤخذ " ، ولا يبالي بـ " لا " النافية، وهو قول الجمهور وقد تقدم آخر " الفاتحة " ثلاثة أقوال. وقرأ ابن عامر: " تؤخذ " بالتأنيث للفظ الفدية.

والباقُون: بالياء من تحت؛ لأن التأنيث مجازي.

السابقالتالي
2 3 4 5